وهو هنا لم يسأل حتى لماذا خرقتها ، بل أنكر الموضوع رأسا ، ولم يسكت على ذلك وانما أعطى للعمل صبغة وهي أنه لم يخرقها الّا ليغرق أهلها. وكان هذا هو الهدف الوحيد المتوقع من وراء هذا العمل وقال :
(لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً)
أي قمت بعمل عظيم ، وهذا خطأ آخر يدل على الجهل بالموضوع ، وهنا قال خضر (ع) :
[٧٢] (قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً)
[٧٣] فذكره بكل هدوء أعصاب بالاتفاق الذي كان بينهما ، فانطفأت ثورة موسى فورا وذهب غضبه ، واعتذر عما بدر منه ، فقال لا تؤاخذني بما يعسر علي تحمله ، فمن الصعب على الإنسان أن يصبر على شيء لا يعرف عمقه وعاقبته ، لذلك طلب موسى من ذلك العالم أن لا يؤاخذه بما نسي.
(قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ)
هناك أمران ضروريان للتعليم هما :
أولا : على العالم أن يكون واقعيا فيعرف ان الآخرين بشر ، ويتعرضون للنسيان لكون المعارف التي تعطى لهم أكبر من مستواهم ، وعادة ما ينسى الذهن الشيء الغريب عنه.
ثانيا : ان هؤلاء لا يتحملون كسب العلوم بطريقة الصدفة ، انما يحتاج العالم أن يجعل برنامجا متدرجا للتعليم. ولذلك قال موسى :
(وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً)