وأساليب السيطرة عليها وتسخيرها ، فعمل في سبيل ذلك بهمة فكان العمل منه وكان من الله التوفيق والبركة.
ثانيا : أن ما قام به ذو القرنين من أعمال كان ضمن إطار قدرة الله ، وعلمه ، وإحاطته ، فلا أحد يبلغ من السلطة مكانا في ملكوت الله الواسعة إلا بأذن من الله.
ثالثا : كان ذو القرنين رجلا صالحا ، لم ينظر إلى الدنيا نظرة منحرفة ، فحينما أوتي السلطة ، أوحى إليه الله (ألهمه إلهاما) : أن بقدرتك أن تسير في الناس بما شئت ، أما أن تعذب ، وأما أن تعمل بالحسنى.
فقال ذو القرنين : إنني سوف أسير في الناس بالعدل ، فمن ظلم فانّي أعذبه ، ومن لم يظلم فسوف أرحمه.
وانطلق الرجل في عملية تعميقية للسلطة من قاعدة : إنها نعمة وفضل من الله ، وأنه يجب أن يستفيد منها استفادة مشروعة ، فجعلها لاقامة العدل ، ودحض الباطل.
هذه المقالة توحي إلينا بحقيقة أخرى وهي عبرة هذه القصة ، وهي : إن الإنسان قادر على التغلب على شهواته ، وعلى موقعه الاجتماعي ، فلأنك من طبقة الأثرياء أو من حاشية السلاطين وشريف من الأشراف ، هل يجب عليك أن تخضع حتما لسلبيات طبقتك أو مركزك أو مالك؟ كلّا .. إن باستطاعتك أن تنفلت من قيود المادة وأن أحاطت بك ، وأن تحلق في سماء القيم ، باستطاعتك أن تكون سلطانا أو غنيا وتقاوم سلبيات طبقتك ، وأن تكون شريفا ولا يستبدّ بك حب الشرف والجاه فيخرجك عن طاعة الرّب.
والقرآن الكريم يعطي الإنسان الثقة بأنه قادر على أن يتفوق على جاذبية الأرض والمادة. أن هذا الإيحاء المكرر والمستمر في القرآن الكريم هو حجر الأساس