الذي لا تحتمله أبدانهم الطينية الضعيفة؟!
الثالث : إنّ الآية تشير الى سائر خلق الله في الكون ، كالسماوات والأرض والكواكب حيث تتجلّى آثار قدرة الله ، التي دفع التشكيك فيها بالإنسان الى الكفر بالبعث ، فإذا ما تفكّر الإنسان في خلقها وثق بقدرة ربه ، وبالتالي آمن بيوم البعث ، وهذا أظهر الوجوه فيما يبدو لي.
[١٢] ومشكلة الإنسان تجاه الحقائق الكبيرة أنّه لا يستوعبها إلّا إذا اتصف بسعة الأفق والتعقّل ، وكلما كان العقل كبيرا كان صاحبه أقدر على اكتساب المعرفة ، وعقل الحقائق ، والإمام علي (ع) يقول :
«يا كميل ابن زياد : إنّ القلوب أوعية فخيرها أوعاها» (٣)
والعاقل حينما يصغي للحقائق أو يشاهدها يتعجّب منها ولكنه يصدّقها ، فلا يكذبك لو قلت له بأنّ الدلفين يستخدم الآن في عمليات التجسّس أو أنّ العلم الحديث اخترع جهازا فلق به رأس البعوضة. أمّا الجاهل فهو لا يكذّب الحقائق وحسب ، بل ويستهزئ بصاحبها ، ويسخر منه ، وقد يوصمه بالجهل والجنون ، وفي الوقت الذي يدل موقف الإعجاب على نموّ العقل ، وسعة الصدر ، واستيعاب الحقيقة ، فإنّ موقف السخرية دليل على ضيق الأفق ، وجمود الفكر ، والقرآن يصف الرسول بالإعجاب ، بينما يصف الكفار والمشركين بالسخرية.
(بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ)
[١٣] ومن شواهد تحجر قلوبهم ، وجمود عقولهم ، أنّهم لا ينتفعون بالذكر ، وقد يتعمّدون التغافل عن الحقيقة.
__________________
(٣) نهج البلاغة / ح (١٤٧) / ص (٤٩٥).