وجوه الحاجة في الخليقة ، فالناس والحيوانات وسائر الأشياء خلقت أزواجا بحيث يحتاج بعضها الى بعض ، لنعرف أنّها مخلوقة مدبّر أمرها ، ونعلم ـ بالتالي ـ أنّ خالقها مقدّس عن الحاجة ، فهو الربّ السبحان الذي خلق الأزواج كلّها لتكون آية تعاليه عن العجز.
(سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها)
وهكذا كلّما في الطبيعة من عناصر ونقاط ضعف شاهدة على حاجتها الى خالق مدبّر ، أو ليس الضعيف لا يخلق نفسه ، ولا يدبّر أمره؟! ولو خلق نفسه لأكملها ، ولو دبّرها لأغناها ، ولكنّ الله ـ سبحانه ـ أركز الخلائق في الضعف ، وأحوجها الى بعضها ، لتشهد بأنّ خالقها غني مقتدر ، ولو افترضنا في خالقها ضعفا لرجع الخالق مخلوقا ، ولصدق فيه ما صدق في سائر المخلوقات من الحاجة الى مدبّر أعلى منه.
وهكذا افتتحت الآية بتسبيح الله ، لأنها تذكّرنا بعجز المخلوقات ، بينما الآيات السابقة كانت تذكّرنا بآيات القوة فيها.
وسبحان ـ كما قالوا ـ علم دال على التسبيح ، وتقديره سبّح تسبيح الذي خلق الأزواج.
(مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ)
فقد خلق النباتات أزواجا ، منها ما كانت معروفة لدى نزول القرآن ، ومنها ما كشفه تقدّم العلم اليوم من أنّ في كل النباتات ذكرا وأنثى ، وأنّه قد يتم تلاقحهما بفعل البشر ـ كما يتم تلقيح النخيل مثلا ـ وقد تلقّحهما الرياح أو النحل أو ما أشبه.