(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ)
أما أنت أيها الرسول فعلى الحق ، من هنا قال بعض المفسرين أن المقسم به محذوف تقديره «والقرآن ذي الذكر» (إنك تحمل للناس ذكرا) ، ويدل على هذا الحذف التصريح به في مثيله من سورة يس إذ قال ربّنا : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (١) وانما صار الحذف هنا لدلالة الآية الثانية على المحذوف المقسم به.
وهذه الآية تبيّن العامل في رفض الكافرين للتذكرة الا وهو العزة والشقاق ، والعزة هو تصور الإنسان نفسه أنه وصل من القوة والمنعة ما لا يحتاج معه إلى الحق ، أو الى ربّه ، فيبقى يصر على انحرافه بل ويعتز بالخطإ. يقول ربنا في آية كريمة : (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) (٢) ، ورفض هؤلاء للحق ليس نابعا من قوة المنطق لأنهم يرفضونه بدون أي مبرر معقول ، ولكنه نابع من منطق القوة التي يخضع لها أكثر الناس وانما لم يستجب كفّار قريش للرسول اعتزازا بقوتهم. بلى. إنّ من أعقد مشاكل الإنسان أنه لا يعترف بخطئه حين يتبين له الحق غرورا وخشية بأن يجلب له ذلك المهانة فتراه يعتز بباطله الذي كان عليه.
أما الشقاق فهو الشذوذ فمع أن الكون كله قائم على الخضوع لله وحتى جسد الإنسان يخضع لآلاف القوانين التي تخضع هي بدورها لمشيئة الربّ. ترى الكفار ومن يلتقي معهم من المذنبين والعصاة يشقون عصا الطاعة ولا ينسجمون مع الحق الذي تقوم عليه الحياة.
[٣] والإنسان المؤمن يجب أن لا يضعف ولا يشكك في خطه حينما يرى
__________________
(١) يس (١ ، ٢)
(٢) البقرة ٢٠٦.