(لا من العذاب) استهزاء وسخرية وانهم كذبوا بذلك بثالث الأصول الدينية (المعاد) بعد أن كذبوا بأولها (التوحيد) عند ما قالوا : «أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً» ، وكذبوا بالثاني (النبوة) عند ما قالوا : «أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا».
وسواء هذا أو ذاك ، فان الله لم يستجب لأهوائهم ، بل ضرب مثلا من واقع داود الذي عجل الله له جزاءه في الدنيا (وقطه) دون أن ينقص من أجره في الآخرة شيء.
[١٧] وهكذا ينبغي للرساليين أن لا يهتموا بكلام من هذا النوع ، وإن كان ذلك صعبا بالذات إذا كان يمس بمقدساتهم ، لهذا يوصي الله نبيّه بالصبر.
(اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ)
ثم يوجهنا السياق الى مثل من التاريخ ، وبالتحديد من حياة داود (ع) يناقض غرور هؤلاء الكافرين بالسلطة والذي جرّهم لتحدي الله عزّ وجل.
(وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ)
وحين يذكر النبي اخوته السابقين من الأنبياء ، يستأنس بهم وبصبرهم في الضراء والسراء ، وبتعاليهم على مؤثرات الحياة الدنيا وحين يذكر النبي لنا صبر الأنبياء وذكرهم وانهم الأوّابون الى الله في كلّ حال حتى عند ما تزدحم على أبوابهم زخارف الدنيا ، فانه يسن أمامنا سنة سالكة ، وطريقا معبدا علينا الاستقامة عليه ، والصبر على كلّ أذى فيه.
دعنا إذا نذكر داود ، فهو القوي ذو الأيدي ، واليد : القوة ، وداود يملك أسباب القوة وعواملها فهو قوي من جهة فعبر عنه القرآن بذي الأيدي ، واليد كناية عن القوة