والقدرة ، وهو من جهة أخرى مؤمن وعلامة ايمانه التوبة ومن الصعب على البشر أن يجمع بين هاتين الصفتين ، لأن صاحب القوة عادة ما تستهويه زخارف الحياة ويركض وراءها ، حتى ولو خالفت الحق.
وكما يحتاج المؤمن للقوة حتى ينفذ خططه في الحياة ويبلغ أهدافه وتطلعاته ، فانه يحتاج الى الإيمان ، وذلك لكي يعود تائبا الى ربّه بدافع الإيمان كلما جرته القوة الى ساحل الغرور والمعصية.
[١٨ ـ ١٩] وتحدثنا الآيات عن جانب من القوة التي بلغها داود في حكمه ، فقد أخضع له الحياة بشقيها الجامد والمتحرك ، وهكذا تخضع الحياة الى كل من يتبع الحق ، لأنه بالاضافة الى قوة الغيب التي تعينه حينذاك ، يهتدي به الى الأسباب والقوانين التي يمكنه تسخيرها ، فلقد سقطت الحجب بينه وبين حقائق الخليقة ، فاذا بها تستجيب له.
(إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ)
وكل شيء يسبح الله بصورة مستمرة ، ولكن لا نفقه تسبيحه كما يقول تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (١) وقد جعل الله الجبال تسبح عند ما يسبّح داود (ع) ولعلنا نستوحي من الآية أنه أعطي الطاقات الموجودة فيها ، كالاحجار الكريمة والوقود.
(وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ)
يعني مجموعة له يستفيد منها كيفما يشاء. وربما كان الإنسان قديما يستغرب لو سمع بهذه الآيات ، أما وقد تقدمت البشرية في العلم ، فهي تعتمد الآن الجبال في
__________________
(١) الإسراء ٤٤