ولهذا لا بدّ من التفريق بين حاكم وحاكم ، خلافا لما ذكره البعض من أن الحاكم الشرعي هو الذي حكم بالسيف ، سواء كان مصلحا أم مفسدا ، والواقع انهم أرادوا تبرير مواقفهم من بعض أحداث التاريخ ورجاله ، فهم يؤمنون بأن عليا (ع) ومعاوية سواء بينما يرفض ذلك منطق القرآن.
هل الامام علي (ع) الذي يطوي نهاره صائما وليله قائما عابدا ، ويتقاسم قوته مع الفقراء ، بل ويؤثرهم على نفسه وعياله (مسكينا ويتيما وأسيرا) ويعدل في الرعية يستوي هو والذي يغتصب حقوق الآخرين ، ويسفك دماء الناس ، ويتلاعب بمقدرات الأمّة؟! كلّا ..
إن السلطة سلاح ذو حدين ، فهي إذا تسلمها المؤمنون تصبح وسيلة للإصلاح والاعمار ، أما لو كان العكس فانها ، تمسي معولا يهدم المنجزات ويحطم الطاقات. وربّنا في هذه الآية لم يقابل (الَّذِينَ آمَنُوا) بجماعة معينة (كَالْفُجَّارِ) مثلا ، انما قابلهم بالمفسدين في الأرض ، ليبين لنا بأن كل سلطة غير سلطة المؤمنين هي مفسدة في الأرض.
(أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)
إن ذلك لا يصح ولا يكون ما دام الحق هو أساس الحياة ومقياسها. إلّا أن تتبدل هذه المعادلة ، وهذا ليس الّا في ظن الكافرين.
[٢٩] والحق يتجلى في السماء والأرض وما بينهما. وآيات القرآن هي التجلي الآخر للحق ، ومن تدبر في القرآن وجد انه الكتاب الناطق بما يجد في آيات الخليقة ، فاذا ادى قلبا واعيا وتبصر انه كتاب أنزله خالق السماء والأرض ، لأنه ليس سوى صورة صافية للخليقة.