وما يبدو لي هو أنّ الآية تحتمل ثلاثة معاني كلّها هامة :
المعنى الأول : هو معرفة الواجبات وتطبيقها على أفضل وجه ، لقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).
ولتقريب الفكرة نقول : إنّ الإنسان الذي يمرض ولده أو شخص عزيز عليه مرضا خطيرا ، فإنّه لن يبحث عن أيّ طبيب لعلاجه ، إنّما سيبحث عن أفضل طبيب ممكن طمعا في حصول الشفاء بأسرع وقت وأفضل صورة ، والإنسان في حياته العامة يواجه خطرا مصيريا هو النار ، وينبغي له لكي يخلّص نفسه من شرّها أن يتعرّف على الواجبات والمستحبات ويؤديها على أفضل وجه ، وكيف لا وقد ورد في الحديث :
«هلك العالمون إلّا العاملون ، وهلك العاملون إلّا المخلصون ، والمخلصون على خطر عظيم»
المعنى الثاني : وقد تقدّمت الإشارة اليه عند تفسير قوله تعالى في بدايات هذه السورة : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) (١) وهو أنّ القرآن كلّه حسن ، ولكن بالنسبة إلى ظروف كل شخص وعصره قد يختلف الأحسن ، فعلى سبيل المثال : الصلاة والصيام والحج والجهاد و.. و.. كل ذلك مفروض على الناس ، ولكن يتأكّد على كلّ شخص أحد هذه الواجبات أكثر من الآخرين ، وأكثر من سائر الواجبات الأخرى ، فالتاجر ينبغي أن يكون أقرب الناس إلى آيات التجارة والمعاملة وأعرفهم بها ، بينما المقاتل يكون الأحسن له معرفته بآيات الجهاد والقتال ، أمّا القاضي فالأحسن له المعرفة بأحكام القضاء والحدود وما إلى ذلك ، وهكذا
__________________
(١) الزمر / (١٨).