للسلطة ، كلا .. إنّ هؤلاء من نمط آخر ، فحتى لو سعت إليهم السلطة سعيا ابتعدوا عن لذاتها وبهارجها ، فهذا قدوتهم المثلى سيد البشر محمد بن عبد الله وخاتم النبيين (ص) سعت إليه قريش يعرضون عليه أجمل نسائهم ، وأصفى أموالهم ، والملك عليهم ، فرفض إلّا تبليغ دعوته.
ولو خالط حبّ الدنيا قلب الداعية أثّر من حيث يدري أو لا يدري على قرارته الإستراتيجيّة ، ذلك أنّ عمل الإنسان إنّما هو تجسيد لنيّاته ، وقد قال ربّنا : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) ، فشخصية الإنسان الداخلية تبرز من خلال أعماله شاء أم أبى ، وهكذا تنحرف الرسالة عن مسيرها القويم ، إذا لم يخلص حملتها نيّاتهم لله.
وإنّ فريقا من المنتمين الى الحركات الرسالية يزعمون أنّها حركات سياسية ولكن بصبغة إلهية ، فإذا زويت عنها المكاسب العاجلة لمصلحة سائر السياسيين اتّهموا قادة الحركة بالسذاجة والانطواء ، وحين يطول انتظارهم للنصر تراهم يرتابون في القيم رأسا ، وينسحبون عن الساحة ، كلا .. إنّها حركات دينية أوّلا ، وسياسية ثانيا ، ذلك أنّهم لا يصوغون استراتيجيتهم وفق المتغيّرات السياسية ، بل حسب الواجبات الدينية ، وأعينهم مسمّرة على أجر الله ورضوانه قبل أن ترمق ملامح نصره ، ولذلك تراهم لا يداهنون أعداءهم ، ولا يتنازلون عن قيمهم ، ولا يخادعون الناس ، ولا يمالئون المترفين على حساب دينهم ، ولا يخشون قوة كبري ، ولا يظلمون قوة صغرى.
فهذا الإمام علي ـ عليه السلام ـ حين أشار عليه قومه ببعض الحيل السياسية نهرهم قائلا : «أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن ولّيت عليه؟!» (١)
__________________
(١) نهج البلاغة / خ ١٢٦ ص ١٨٣.