والحكمة في ذلك أنّ الهدف الأوّل لأنصار الرسالة تكريس الحق وإنذار الناس به ، وقد لا تكون السلطة أفضل وسيلة لذلك ، إذ قد يكون أثر حركة معارضة في توجيه الحالة الاجتماعية أشدّ وأبقى من تأثير السلطة الحاكمة.
وقد يكون المطلوب إيجاد قوة رسالية ضاغطة باتجاه القيم في مواجهة قوة كافرة تضغط باتجاه الضلال ، وفي هذا الوقت تكون السلطة غير مناسبة لإيجاد تلك القوة.
وقد يخشى أن يولد الإنتصار في غير أوانه فيكون ناقصا ، ويجهض سريعا ، وبتعبير آخر قد يمنع النصر العاجل المحدّد نصرا آجلا أرسخ جذورا وأوسع فروعا.
وقد تكون شهادة الرسالي أقوى حجّة لسلامة خطّه وصحة دعوته من انتصاره ، فتكون هي الغاية السامية له ..
لذلك نجد الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ اندفع للشهادة قائلا :
«خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف» .
ثم ناضل أعداء الرسالة ، حتى إذا قدّم كلّ أنصاره وأهل بيته وحتى طفله الرضيع ، واحتمل جسده عشرات الجراحات ، وخرّ على الأرض صريعا ، قال :
«إلهي رضا برضاك ، لا معبود سواك»
[٧٨] تلك هي سنّة الأنبياء جميعا ، إنّهم يتجرّدون لرسالات ربّهم ، ويخلصون لله نيّاتهم وأعمالهم ، وحتى الآيات التي تنزل عليهم كانت بإذن الله.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ)