ونتساءل : هل كان للسماء والأرض شعور حتى يخاطبهما الربّ بهذه الصورة؟ ينفي البعض ذلك بشدة ، ويأوّلون كلّ الآيات التي توحي بذلك الى خطاب الحال ، مثلا في هذه الآية يقولون : المعنى : أمرهما بالتشكّل فامتثلتا طائعتين ، ويبقى سؤال : ماذا كان إذا الخيار الآخر أي أن تأتيا كرها؟ أفلا يدلّ التقسيم الى اختلاف طرفيه ، فهناك حركة طوعية وأخرى كرهية ، لم أجد من يجيب عن هذا النقاش ، ولكنّ باب التأويل لديهم واسع ، بيد أنّ الأقرب حمل الآيات التي توحي بإحساس الخلائق على ظاهرها أو صريحها ، لأنّ ما يدعونا الى تأويلها مجرّد استبعاد ، فلأننا لا نعرف كيف تمّ خطاب الله للأرض والسماء نقول لم يتم هذا الخطاب أبدا ، وأمّا ذلك أسلوب بلاغي في القرآن ، ولأنّنا لا نفهم كيف تسبّح السموات والأرض ، نقول : إنّ أهلها هم الذين يسبّحون ، ولأنّنا لا نعي كيف عرض الله أمانته على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ، قلنا كلّا .. إنّه كان مجرّد افتراض.
إنّ عشرات الآيات القرآنية وأضعافا منها من الأحاديث المأثورة عن المعصومين ـ عليهم السلام ـ ظاهرة أو صريحة في وجود الشعور ـ بقدر مّا ـ لسائر الخليقة ، يتجلّى في يوم القيامة عند ما يستنطقها الله ، فهل يجوز أن نضرب بها عرض الجدار لمجرّد أنّنا لا نعرف كيف ذلك؟ إنّ من الجهل أن ننكر شيئا لأنّنا لم نحط علما بتفاصيله ، ومن العقل أن نؤمن به ثم نبحث عن تفاصيله بروح إيجابية.
بلى. إنّنا كبشر لا يمكننا بالوسائل المتاحة لنا أن ندرس الأحياء والأشياء من باطنها ، بل من خلال الظواهر التي تهدينا الى واقعها وحتى فيما بيننا كبشر هل يستطيع زيد أن يدرس نفسية عمر كما يدرس هو نفسيته؟ كلّا .. إنّما الظواهر تدلّ عليها ، وإذا اتبعنا هذا المنهج لعلّنا نبلغ الواقع .. فما هو الشعور؟ وما هي الظواهر التي تدلّ عليه؟ يبدو أنّ الشعور هو الجهاز المنسّق بين الشيء والمحيط الذي هو فيه ،