لأنّهم ضعفاء بمخالفتهم للحق ، فمهما بلغوا من القوة والقدرة وأنّى أزاحوا الحقّ عن مراسيه ، فإنّ عاقبتهم إلى البوار وإنّ إلى الله المصير.
[٥] ويضرب لنا القرآن مثلا من واقع التاريخ على أنّ تقلّب الكفار في البلاد وسيطرتهم المادية الظاهرة ليس دليلا على سلامة خطّهم.
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ)
أي قبل كفّار قريش الذين يجادلونك يا محمد ، وقبل كلّ الطغاة في كلّ عصر.
(قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ)
لأنّهم لم يستفيدوا من تجربة قوم نوح.
(وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ)
وكم هو مؤسف أن تصل البشرية الى هذا الحضيض ، فإذا بها بدل أن تكرم المصلحين وتتّبعهم لأنّهم يحملون لها الهدى والسعادة ترفضهم وتسعى لقتلهم والقضاء على خطّهم ، هذا من الناحية العملية ، أمّا من الناحية النظرية فإنّها تحاول إبطال الحق الذي يأتي به الأنبياء.
(وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ)
وهكذا كلّ كافر لا يملك عقيدة إلّا الكفر بالحق ، فهو لكي يملأ الفراغ العقائدي في نفسه يبحث عن باطل ليس ليعتقد به إنّما ليقاوم به الحق ، وإنّما ازداد ركام الباطل ، وتنوّعت مذاهبه ، وكثر الكلام فيه لأنّه لم يكن يملك رصيدا من الواقع ولا شاهدا من الفطرة فيحتاج الى المزيد من السفسطة باسم البرهان ،