وحيث نعرف أنّ الله الذي خلق السماوات والأرض وما فيهنّ وما بينهنّ بالحكمة البالغة ، والتقدير العادل الموزون ، ووضع كل شيء موضعه المناسب ، ليس بظلام ، نعرف يقينا أنّ درجات الإنسان في الدنيا والآخرة مقدّرة حسب حكمة بالغة ، ترتبط باختياره وسعيه ، و(إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (١) (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٢)
فربّنا لم يسلّط هتلر على الشعب الألماني أبدا ، ولكنّهم هم الذين سوّدوه على أنفسهم ، بجهالتهم وبتركهم مسئولياتهم ، وهكذا بالنسبة لسائر الشعوب.
[٤٧] وهناك تساؤل آخر تجيب عنه الآية التالية ، هو : إنّنا في كثير من الأوقات لا نكتشف الأسباب في حدوث الأشياء ، فنقول مثلا : من الذي جعل الطغاة يحكمون البلاد؟! ما الذي أمرض ولماذا عوّق هذا وقتل في حادث السيارة ذاك؟!
بلى. إنّك تجهل العلاقة بين حدوث الأمر الفظيع وبين الفعل ، ولكنّ العلاقة قائمة ، والله سبحانه هو الذي قدّرها ، وهو الذي يجريها.
(إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ)
متى تقوم قيامة هذا الكون؟! لا أحد يدري ، فهذا غيب غائر في المجهول ، وحتى الأنبياء لا يعلمون ذلك ، فعند الله علم الساعة يقرّرها متى يشاء ، وكيف يشاء ، وقد تقوم غدا ، أو بعد غد ، وفي بعض النصوص : أنّ الله لم يقدّر للساعة وقتا ، وإنّما جعل لنفسه فيها البداء.
__________________
(١) الرعد / (١١) .
(٢) يونس / (٤٤) .