عرفوا أنّه ليس للشركاء المزعومين دخل في الأمر.
(وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ)
المحيص هي تلك الحفرة الصغيرة التي يحفرها الطير ـ كالقطا مثلا ـ بجوئجئته أي بصدره في الأرض ، وهؤلاء المشركون يظنّون أي يعلمون يقينا أنّهم لا يقدرون على التزحزح عن مسئولياتهم ولا بهذا المقدار ، ولعل الظن بمعنى التصوّر ، وهو هنا يقع معنى تجسّد الحقيقة أمام أعينهم.
[٤٩] في أعماق نفس البشر آيات باهرة تهديه الى ربه ، ولو تدبّر الإنسان في ذاته ، وكيف تطرأ عليه الحالات المختلفة من طمع لا يحد ، ويأس لا يوصف ، لعرف حاجته الى الخالق ، وأنّه قد أركس في العجز والفقر والمسكنة إركاسا.
إنّ البشر حين ينازع ربه رداء كبريائه يحتجب عن نور الله ، لأنّه قد جهل نفسه ، ولم يعرف آماد عجزها وضعفها ، وشدة فقرها وفاقتها ، أمّا حين يتصوّر حالاته المختلفة يعرف نفسه ، ومن ثمّ يعرف ربه.
وربنا يرينا آياته في أنفسنا فيقول :
(لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ)
إنّه عميق الإحساس بالحاجة الى الخير من الغنى والعافية والأولاد ، وسواء دعا ربّه أم دعا الشركاء فهو محتاج ، والمحتاج فقير ذليل عاجز ، وهو بالتالي ليس بإله ولا نصف إله. إنّه محض. عبد ، صفر اليدين. إنّه يتوب الى ربه الغني ، ويعلم بفطرته أنّه غناه ، والتقرّب اليه مناه حقّا ، وأنّه قد ضلّ الطريق ، وأنّ حرصه على الدنيا لا يشبع طموحه ، ولا يشفي غليله ، إنّما الأوبة الى ربه غاية تطلّعه ، ونهاية