(وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى)
من عادة المخرجين للأفلام ومؤلفي الروايات تصوير أبطالهم في حالات نفسية متناقضة ، فيصوّرون مثلا : أحد المجرمين في لحظة جريمته ، يعيش قمة الغرور ، فيقع فجأة في الفخ ، أو يصوّرون : أحد المغرورين يتصوّر أنه يمتلك الشمس بيمينه والقمر بيساره ، وإذا به يبصر ، يرى شرطيّا أمامه فيصبح كالخرقة البالية.
وهذا التصوير يساعد في كشف خبايا النفس ، وأبعاد الخداع الذاتي الذي يعيشه الإنسان ، وإنّما يكتشف عبر الظروف المتغيّرة التي يعيشها.
والقرآن ـ هنا ـ يصوّر لنا الحالة النفسية الأولى التي يعيشها المفتون ، حيث يتذوّق رحمة الرب ونعمته بعد أن عاش ظرفا صعبا ، وضيقا وشدة ، وتعبيرا عن فرحته يبادر قائلا : «هذا لي» كالطفل الذي يشتري له والده لعبة جديدة ، فيذهب مسرعا الى أترابه قائلا : (عندي لعبة جديدة ، هذه لي ، ...) مأخوذا بنشوة الغرور ، وهذا ما تفعله جدة النعم بصاحبها ، فهي هاوية يجب الحذر من السقوط فيها ، تسبب في تغيّر حالة الإنسان النفسية ، ولهذا كان الإمام الصادق (ع) ينبّه داود الرقيّ قائلا :
«يا داود! لان تدخل يدك في فم التنّين الى المرفق خير لك من طلب الحوائج ممن لم يكن فكان» (١)
ثم إنّ ذلك المغرور المفتون لا يقتصر على الزهو والفخر الذي يغمره ، بل ويتصوّر
__________________
(١) الإختصاص / ص (٢٣٢) .