الحياة متلخّصة في تلك اللحظة التي يعيشها ، وفي ذلك المكان الذي يتنعّم فيه ، ثم بعد ذلك يخطر على باله أن لو كانت هناك ساعة وجزاؤه كان له عند ربه الحسنى ، أو ليس الله قد أنعم عليه في الدنيا ، فهو لا بد أن ينعم عليه في الآخرة!
وهكذا يزعم السلاطين والأغنياء والرأسماليون ، إنّهم يتصوّرون أنّ الله إنّما فتح عليهم أبواب النعم الدنيا لحبّه إياهم ، أو لأنّهم عباده الذين اختارهم (وهذه هي العنصرية) في حين أنّ الله إنّما أعطاهم تلك النعم ليمتحنهم ، ويبلوهم أيّهم أحسن عملا ، أو حتى يستدرجهم ، كما قال سبحانه : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (١)
(فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا)
وأمّا ربّنا سبحانه فلا يحاسب الناس على أساس فقرهم وغناهم ، وكبرهم وصغرهم ، وإنّما على أساس كفرهم أو إيمانهم ، كفرانهم أو شكرهم ، وبالتالي أعمالهم ، إن خيرا فخير وإن شرّا فشر.
(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ)
وسوف يكون العذاب غليظا بقدر التأثيرات السلبية للنعمة في نفسه وآثار تلك السيئة على سلوكه.
[٥١] تقدّم أطور نفس الإنسان دليلا وجدانيّا على عجزه وحاجته الى الخالق والى الرسالة التي تربّيه وتزكّيه ، ولو عاد الإنسان الى حرم نفسه لشاهد فيها من آيات الله ما يراها في آفاق السماء والأرض. ومن تلك الأطوار مدى تأثّره بحالة الغنى والفقر ، والعافية والمرض.
__________________
(١) آل عمران (١٧٨) .