وجدانا ، ثم قال مشيرا إليها والى آياته في الآفاق التي ذكرت من قبل :
(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ)
ومن هذه الآية نستوحي بأنّ الله سبحانه يتجلّى للإنسان في آفاق الخلق حينا وحقائق النفس حينا بالرغم من الحجب السميكة التي يغلف بها قلبه ، ولو في لحظة من لحظات عمره ، لكي تتمّ الحجة عليه ، وحتى أئمة الكفر والطغيان والفساد في الأرض يتمّ الله حجته عليهم ، ويبيّن لهم الحق بشكل لا يسعهم الإنكار ، فإذا كفروا بعد ذلك أخذهم بعذاب بئيس ، إذ أنّ كفرهم ليس عن غفلة ، إنّما عن جحود.
(أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)
فالله سبحانه وتعالى لا يحتاج الى شهادة شيء ، بل هو الشاهد على كلّ شيء.
فبنوره أشرقت السموات والأرض ، وبضيائه عرف الخلائق أنفسهم ، وبذاته دلّ من يشاء على ذاته ، سبحانك يا رب :
«كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟! أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك ، حتى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدلّ عليك؟! ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟! عميت عين لا تراك عليها رقيبا» (١)
[٥٤] ولكنّ العمى في الكفّار هو الذي يجعلهم لا يرون الله عزّ وجل ، وسبب
__________________
(١) من دعاء الإمام الحسين (ع) في يوم عرفة ، مفاتيح الجنان / ص (٢٧٢) .