سواء كان رزقا ماديا كالمال والثروة ، أو معنويا كالحكمة والعلم ، فإنّ المؤمنين ينفقون منه في سبيل تقدّمهم جميعا ، ولا ريب أنّ المجتمع البخيل الذي ينحصر أبناؤه في حدود أنفسهم ومصالحهم لا يستفيد من الشورى ، لأنّ تبادل الأفكار والمعلومات والخبرات يستدعي تبادل المنافع ، ودائما يكون وراء مبادلة الخبرات التي تنفع اقتصاديا مبادلة للأفكار ، إذ لو لا وجود حالة العطاء والكرم ، وبالتالي الخروج عن نطاق الذات ، إذن لما أمكن الإنسان الجلوس والتفاوض مع الآخرين ، ولذلك جاء لنا التأكيد القرآني على الإنفاق بعد الحديث عن الشورى.
[٣٩] وهناك مسألة أخرى تتصل بموضوع الشورى اتصالا متينا وهي قضية الكرامة في حياة المجتمع والفرد ، والتي من خلالها يتحدّد مصير الحرية ، ذلك أنّ تحسّس الإنسان بكرامته هو الذي يدعوه للتحرّر ورفض الضيم.
والمجتمع الذي يبقى يدور في حدود المطالبة بالحرية زاعما بأنّها ستأتيه على طبق من الذهب لا يفلح أبدا ، لأنّه عند ما يستجديها ممّن سلبها منه فإنّه يثبت له بأنّه ليس أهلا للحرية ولا للكرامة ، وإنّما أهل الحرية هم الذين يأخذون حريتهم بالقوة ، ويستعيدون كرامتهم بدمائهم ، ولذلك أكّد القرآن وفي هذا المقطع بالذات على فكرة هامة هي أنّ الشورى التي تعدّ تعبيرا عن الحرية والكرامة لا تعطى للمجتمع ، وإنّما يجب أن تؤخذ بالقوة ، وهذا يهدينا الى ضرورة الجهاد والتضحية من أجلها.
(وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ)
والضمير المنفصل «هم» يأتي هنا للتأكيد على أنّ المؤمنين لا ينتظرون أحدا لينتصر لمظلمتهم ، وإنّما يسعون بأنفسهم لرفع البغي عن أنفسهم ، وفي الآية فكرتان : الأولى : إنّ هؤلاء يقاومون البغي ويستعيدون حقوقهم بالقوة ، والثانية :