لذلك ينبغي ومن أجل الاحتياط وعدم مخالفة قانون التماثل في القصاص ، أن يأخذ الإنسان أقلّ من حقّه ولو بقليل ، والمثل الذي يقول : (نردّ الصاع بصاعين) لا يصلح قاعدة للقصاص عند الإسلام ، وإنّما الصاع ينبغي أن يقابل فقط بصاع ، كما قال القرآن الحكيم في معرض حديثه عن بني إسرائيل : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) (١)
ويرتفع الإسلام بأتباعه الى قمة الفضيلة والإحسان بدعوته للعفو.
(فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)
والدعوة للعفو هنا لا تدلّ على أنّ ربّنا يأمر بغض النظر عن الظالمين ، أو أنّه سبحانه يدافع عنهم ، كلّا .. فهو لا يحبّ الظالمين كما تشير الى ذلك خاتمة هذه الآية الكريمة ، ولكنّ الإنسان لا يمكنه أن يحكم قطعيّا على الآخرين بالظلم من خلال تعامله اليومي مع الناس ، فبرغم أنّ فلانا ظالم استنادا الى بعض ممارساته فيقع فيما وقع فيه الظالمون من البغي على الناس زعما بأنّهم إنّما يستردّون منهم حقوقهم المسلوبة فينبغي له أن يعفو عن الناس ما أمكنه ذلك ، وبالذات إنّ العفو في كثير من الأحيان يكون نفسه دافعا قويّا للمسيء نحو التوبة والاعتذار ، وبالتالي الإصلاح ، وهذا الأمر هو الذي يجعل من العافي مصلحا ، حسبما تشير الآية إليه.
أمّا الذين يتسرّعون ويغضبون لأتفه الأسباب ، أو لمجرّد بعض الأخبار التي ينقلها المغرضون ، فيثيرون النزاع بين المؤمنين ، فإنّهم لا يقاومون الظلم في الواقع ، لأنّهم لن يستأسدون على الضعفاء ، بينما يستسلمون للأقوياء ، فهم كما قال الشاعر : أسد عليّ وفي الحروب نعامة ، بينما المجتمع الفاضل هو الذي تسود
__________________
(١) المائدة / (٤٥) .