التخصيص والستر.
ونتساءل : كيف يتمّ الوحي من الله للبشر؟ قبل الإجابة لا بدّ أن نعرف أنّه لا ينبغي السؤال عن الكيفية في الجانب الالوهي ، لأنّ علمه محجوب عنا ، وقد ضلّ كثير من الناس حين تفكّروا في الذات الالوهية وما يتصل به سبحانه من حقائق ، بلى. يحقّ لنا أن نسأل عن الجانب الآخر حيث يتمّ التلقّي والاستجابة والأخذ ، والقضية هنا هيّنة إذ أنّ لها أمثلة : فنحن البشر لم نعلم شيئا حين خلقنا الله من بطون الأمهات ثمّ قذف في قلوبنا العلم ، كما أنّ كثيرا من البشر يقذف الله في أفئدتهم نور معرفته وروح الإيمان به ، وكلّ ذلك نظائر للوحي.
ولكن حين يكلّم الله أحدا بالوحي فإنّ ذلك لا يعني مجرّد قذف نور العلم بصورة مجملة ، بل وأيضا بيان تفاصيل العلم ، وبيّنات الهدى ، لأنّ القضية هنا قضية التكلّم ، والتكلّم يعني وجود كلمات ، والكلمات تعني المفصّلات من العلم.
ويبدو أنّ الوحي هو اتصال مباشر بين الربّ وعبده المنتجب ، ولعلّه أسمى درجات التكلّم ، وقد كان نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) يعيش في لحظات التجلّي وضعا خاصّا كان يسمّيه المسلمون (برحاء الوحي) ..
سأل زرارة من الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ قائلا : جعلت فداك : الغشية التي كانت تصيب رسول الله (ص) إذا نزل عليه الوحي؟ فقال :
ذلك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد ، ذاك إذا تجلى الله له (١)
وجاء في حديث آخر :
__________________
(١) المصدر / ص (٢٥٦) .