(لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) ، الوليد بن المغيرة بمكّة ، أو عروة بالطائف ، فإنّ الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظم أنت ، ولا خطر له عنده كما له عندك ، بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة ما سقى كافرا به مخالفا شربة ماء ، وليس قسمة رحمة الله إليك ، بل الله القاسم للرحمات ، والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه ، وليس هو عزّ وجلّ ممّن يخاف أحدا كما تخافه أنت لماله وحاله ، فعرفته بالنبوّة لذلك ، ولا ممّن يحبّ أحدا محبّة اللهو كما تحب ، فيقدّم من لا يستحقّ التقديم ، وإنّما معاملته بالعدل ، فلا يؤثر لا فضل مراتب الدين وجلاله إلّا الأفضل في طاعته والأجدّ في خدمته ، وكذا لا يؤخّر في مراتب الدين وجلاله إلّا أشدّهم تباطؤا عن طاعته.
وإذا كان هذا صفته لم ينظر الى مال ولا الى حال ، بل هذا المال والحال من تفضّله ، وليس لأحد من عباده عليه ضريبة لازب ـ اللازب الشديد اللزوم ـ فلا يقال له : إذا تفضّلت بالمال على عبد فلا بدّ أن تتفضّل عليه بالنبوّة أيضا ، لأنّه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده ، وإلزامه تفضّلا ، لأنّه تفضّل قبله بنعمه.
ألا ترى يا عبد الله كيف أغنى واحدا وقبّح صورته ، وكيف حسّن صورة واحد وأفقره ، وكيف شرّف واحدا وأفقره ، وكيف أغنى واحدا ووضعه ، ثم ليس لهذا الغنى أن يقول : هلّا أضيف الى يساري جمال فلان ، ولا للجميل أن يقول : هلّا أضيف الى جمالي مال فلان ، ولا للشريف أن يقول : هلّا أضيف الى شرفي مال فلان ، ولا للوضيع أن يقول : هلّا أضيف الى ضعتي شرف فلان ، ولكن الحكم لله ، يقسم كيف يشاء ، وهو حكيم في أفعاله ، محمود في أعماله.
وذلك قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) قال الله تعالى : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فأحوجنا بعضهم الى بعض ، أحوج هذا الى مال ذلك ، وأحوج