ذلك الى سلعة هذا والى خدمته.
فترى أجلّ الملوك ، وأغنى الأغنياء ، محتاجا الى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب ، إمّا سلعة معه ليست معه ، وإمّا خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني إلّا به ، وإمّا باب من العلوم والحكم هو فقير الى أن يستفيدها من هذا الفقير ، فهذا الفقير يحتاج الى مال ذلك الملك الغني ، وذلك الملك يحتاج الى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته ، ثم ليس للملك أن يقول : هلّا اجتمع الى مالي علم هذا الفقير ، ولا الفقير أن يقول : هلّا اجتمع على رأيي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكمة مال هذا الملك الغني ، ثم قال (ص) : «وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا» ثم قال : يا محمد! قل لهم : (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) أي ما يجمعه هؤلاء (١)
ونستخلص من هذا النص : أنّ الجاهلية تعطي القيمة للمادة لا للمبادئ ، وقد أشار القرآن الى هذه النظرة الشاذّة عند ذكر قصة طالوت حينما اختاره ملكا لبني إسرائيل فقالوا : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ) (٢) وعند ما حكى قصة صاحب الجنة وصاحبه ، قال : (فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ، وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً ، وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) (٣)
إذ زعم هذا أنّ أمواله دليل على حبّ الله له ، ولهذا فهو لا يظنّ أنّ الساعة قائمة ، لأنّ الدنيا أنسته الاخرة ، ولكن إن قامت الساعة فسيجد خيرا منها منقلبا.
__________________
(١) الإحتجاج / ج ١ / ص ٣٢.
(٢) البقرة / ٢٤٧.
(٣) الكهف / ٣٢ ـ ٣٦.