هكذا تمسّك بالمقاييس المادية في تقييم الآخرة.
وهكذا زعم كفّار قريش أنّ ثروة أحد الرجلين في مكّة أو الطائف ترشّح أحدهما للرسالة.
[٣٢] وقد جاءت رسالات الله لتنقذ البشر من ويلات المادة وأصحابها ، جاءت لتكون بصائرها منارا للفقراء في كفاحهم ضد استغلال الأغنياء ، وللمستضعفين ضد إرهاب المستكبرين ، جاءت لتبصير الجاهلين بزيف قيم المادة التي يدعوا إليها أدعياء العلم والدين من أصحاب الطغاة والمترفين من أجل تكريس طغيانهم وفسادهم ، وتضليل المحرومين حتى لا يطالبوا بحقوقهم.
وهكذا ردّ القرآن تلك المقولة الجاهليّة ببيان بصيرتين :
الأولى : كما أنّ الله تفضّل على الأغنياء بالمال فلا يسأل عن ذلك ، كذلك يتفضّل على البعض بالرسالة ، ولا يجوز أن يعترض عليه في ذلك.
الثانية : أنّ المال ليس أساسا سليما للتقييم ، بل رحمة الله المتمثّلة في الرسالة هي الأفضل ، وهي ـ وليس المال ـ دليل حبّ الله لعبده ، وتخصيصه بفضله.
(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ)
إنّ النبوة رحمة الله فهل فوّض إليهم أمر تقسيمها بين عباده؟ كلّا .. فالله قسم المعيشة بينهم ، فقد أعطى لكلّ شخص معيشته ، حسب حكمته ، ولا يحقّ لأحد الاعتراض عليه ، وبالذات المترفون تراهم لا يعترضون على الله في تقدير المعيشة لهم ، فكيف يعترضون فيما هو أهمّ من المعيشة وهو رحمة الله المتمثّلة في النبوّة.
(نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا)