إنّ الله لم يعط الكمالات لجميع الناس ، بل أعطى المال والولد ، وجعل بعضهم شريفا ، وأعطى لمن يشاء الملك ، ومنع عنه سائر النعم ، فمثلا سليمان (ع) الذي سخّر الله له الجنّ والطير والريح لم يرزق ولدا على شدّة حبّه له.
ونستوحي من قوله سبحانه : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ) أنّ تقسيم المواهب والنعم كان بحيث تصلح حياتهم (وعيشهم) ، فأعطى ربّنا كلّ واحد من الناس موهبة يحتاج الآخرون إليه فيها.
إذا عند ما أعطى ربّنا الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي المال والغنى ، فليس لأنّهما أقرب الناس إليه أو أنّه يحبّهما ويكره غيرهما ، وإنّما لأنّ الحياة قامت على أساس الحاجة المتبادلة بين الناس ، ولا يستغني أحد عن أحد ، ولذلك عند ما سمع الإمام زين العابدين (ع) رجلا يدعو قائلا : «اللهمّ اغنني عن خلقك» نهره وقال له (ع) : «ليس هكذا : إنّما الناس بالناس ، ولكن قل : اللهم اغنني عن شرار خلقك» (١)
وجاء في الحديث عن أمير المؤمنين (ع) أنّه قال : «اللهم لا تجعل بي حاجة الى أحد من شرار خلقك ، وما جعلته بي من حاجة فاجعلها الى أحسنهم وجها ، وأسخاهم بها نفسا ، وأطلقهم بها لسانا ، وأقلّهم عليّ بها منّا» (٢)
والحكمة من هذه الحاجة المتبادلة انتفاع بعضهم من بعض ، وهذا تفسير قوله تعالى :
(وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا)
__________________
(١) موسوعة بحار الأنوار / ج ٧٨ ص ١٣٥.
(٢) المصدر / ص ٥٦