والسخرة هو الاستخدام ، فقد خصّ كلّ أناس بموهبة لتتكامل الحياة ، إذ لو جعل الله كلّ الناس مكتفين في كلّ شيء لكانوا يطغون ويتكبّرون ، لأنّ بعض الناس وهم محتاجون بشدّة إلى الآخرين تراهم يقولون : «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى»! فكيف إذا أحسّوا بالاستغناء وتحرّزوا من قيود الاحتياج الى الآخرين؟!! بل لو لم يتفاضل الناس بالمواهب لما بنيت حضارة ، ولا تنامى مجتمع أو تجمع ، ولعاش الناس كما سائر الأحياء في صراع أبدي.
(وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)
لقد زعموا أنّ الرسالة لا بدّ أن تهبط على الأغنياء ، فردّهم الله بأنّه هو الذي يقسم بينهم معايشهم ، وأنّه خصّ كلّ فرد بموهبة ، وأضاف : إنّ قيمة الرسالة أعظم من قيمة المال ، فلو كان ينبغي اجتماع الخير عند آخر فلا بدّ أن تجتمع عند صاحب الرسالة ، لأنّها أعظم قيمة عند الله.
[٣٣] ولكي يقتلع جذور هذا التقييم الخاطئ من قلوب البشر ، مضى السياق في بيان خساسة الدنيا وعدم احترامها عند الله ، لأنّها زائلة ، فإذا قيست بالآخرة لم تكن سوى متاع يسير.
(وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً)
أي على دين واحد هو الكفر بالله.
(لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ)
أي لو لا الخوف من تحوّل المؤمنين كافرين لأعطى الله الكفار كلّ ما يريدون ، ولجعل سقوف بيوتهم من فضّة ، ولجعل بيوتهم طبقات عديدة يرتقون إليها عبر سلالم ودرجات.