ثانيا : إنّ تهمة السحر التي كان الكفّار يفترونها على الأنبياء كانت أقوى حجّة لصدق نبوّتهم ، إذ أنّهم اعترفوا من خلالها بأنّ الرسل يأتون بما هو خارق العادة ، ولكنّهم كانوا يفسّرونها بالسحر .. ونحن نعرف براءة الرسل من السحر ، إذ لا يفلح الساحر حيث أتى ، ونعرف الفرق الذي جهلوه بين السحر والنبوة ، فيكون اعتراف الأمم الكافرة دليلا على صدق الرسل ، وأنّ تلك كانت آيات تشابهت عليهم بامتلاك الرسل الخوارق ، كما نعرف أنّ كفر أولئك الجاهلين كان بدافع الكبر وحبّ الدنيا والهروب من المسؤولية.
ثالثا : بالرغم من اتهام النبي موسى (ع) بالسحر ، ونكثهم المكرّر لوعدهم إيّاه بالتصديق ، لم يزل هذا النبي العظيم يدعو ربّه لأجلهم. وحقّا : ما أوسع هذا الصدر ، وما أرحم هذا القلب ، وما أدوم هذه الاستقامة في طريق الدعوة التي ينبغي أن نجعلها لأنفسنا أسوة ومثلا حسنا.
[٥٠] وبرحمة الله سبحانه الواسعة وعطفه على العباد يرفع عنهم العذاب ، مع علمه أنّهم لن يهتدوا إذا أبدا ، ولكن ليعطيهم الفرصة تلو الفرصة.
(فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ)
ويتبيّن لنا من هذه الآيات أنّ العذاب نوعان : عذاب الإنذار ، وعذاب الانتقام ، فمن رأى النوع الأوّل من العذاب فلا يفوّت الفرصة على نفسه ، لأنّه إذا جاءه العذاب الثاني فلا مردّ له من الله.
وإنّنا نجد فرعون وملأه قد تعهّدوا بالهداية ، إذ قالوا : (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) ، ولكنّهم أخلفوا بعد أن كشف الله عنهم العذاب.
[٥١] وخشي فرعون من انتشار الدعوة بين قومه فاستدرك الأمر بإثارة الشهوات