وإذا لم يكن ذا مال ، فلتأت معه الملائكة متقارنين يعاضد بعضهم بعضا ، كالجنود المجنّدة التي يملكها هو.
وجاء حديث شريف عن أمير المؤمنين (ع) : ولقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هارون ـ عليهما السلام ـ على فرعون ، وعليهما مدارع الصوف ، وبأيديهما العصي ، فشرطا له ـ إن أسلم ـ بقاء ملكه ، ودوام عزّه ، فقال : ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العز ، وبقاء الملك ، وهما بما ترون من حال الفقر والذلّ ، فهلّا ألقي عليهما أساورة من ذهب؟! إعظاما للذهب وجمعه ، واحتقارا للصوف ولبسه! ولو أراد الله سبحانه لأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذّهبان ، ومعادن العقيان ، ومغارس الجنان ، وأن يحشر معهم طيور السماء ووحوش الأرضين لفعل ، ولو فعل لسقط البلاء ، وبطل الجزاء ، واضمحلّت الأنباء ، ولما وجب للقابلين أجور المبتلين ، ولا استحقّ المؤمنون ثواب المحسنين ، ولا لزمت الأسماء معانيها ، ولكنّ الله سبحانه جعل رسله أولي قوّة في عزائمهم ، وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم ، مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنى ، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذى.
ولو كانت الأنبياء أهل قوة لا ترام ، وعزة لا تضام ، وملك تمد نحوه أعناق الرجال ، وتشد اليه عقد الرحال ، لكان ذلك أهون على الخلق في الإعتبار ، وأبعد لهم في الاستكبار ، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم ، أو رغبة مائلة بهم ، فكانت النيات مشتركة ، والحسنات مقتسمة. ولكن الله سبحانه أراد أن يكون الإتباع لرسله ، والتصديق بكتبه ، والخشوع لوجهه ، والاستكانة لأمره ، والاستسلام لطاعته ، أمورا له خاصة ، لا تشوبها من غيرها شائبة ، وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل (١) .
__________________
(١) الأنبياء / (٦٠) .