استقلالهم وثقتهم بأنفسهم أمام طغيان فرعون .. وإن كانوا يتفكرون قليلا لعرفوا أنّ فرعون أضعف من أن يفرض عليهم سلطانه ، إنّه إن لم يكن أقلّ منهم قوة فلا ريب أنّه كواحد منهم ، وإنّما يستمدّ قوته من ضعفهم ، وهيبته من ذلّهم ، ولو أنّهم عرفوا قيمة أنفسهم حقّا لوجدوه تافها حقيرا ، وأنّه ـ بالتالي ـ ليس له دعوة ، ولا فرق بينه وبين صخرة صمّاء أو بقرة عجماء أو شجرة مسوسة. أرأيت هؤلاء الذين يعبدون صنما أو بقرا أو شجرة هل يعطيهم ما يعبدونه شيئا أم هم الذين يضفون عليه قداسة ويعطونه القوة على حسابهم؟
أمّا الله الذي يدعو إليه المؤمن فإليه مصير الجميع ، فهو خير من دعي وأكرم.
(وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ)
ثم ذكّرهم بالحقيقة الفطرية التي أودعت ضمير كلّ إنسان ، تلك هي أنّ الله الذي خلق كل شيء وقدّره تقديرا حكيما ، وانبثّت آيات عدله وحكمته في كلّ صغيرة وكبيرة ، لا يستقبل بترحاب المسرفين الذين تجاوزوا حدودهم ، واعتدوا على حقوق الآخرين ، إنّما يودعهم سجنه الأليم النار وساءت مصيرا.
(وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ)
لو أيقن الإنسان حقّا أنّه يرد الى الله ، وأنّ الله هو الذي يحاسبه ويجازيه ، لارتدع عن الجرائم ، لأنه يعلم أنّ ربّه بصير بعباده ، وأنّه لا يمكن خداعه أو الهرب منه ، وأنه لا يظلم أحدا ، فهو الحكم العدل العزيز الجبار.
وهكذا نجد السياق يوصل المردّ الى الله بأنّ عاقبة المسرفين النار ، وهي حقيقة فطرية لا جرم فيها ولا جدال.