فيها بإعطاء نصف خراج ضياعه صدقة للفقراء ، شكرا لله على تسليم الأمير يعقوب إقليم خراسان لآل الليث ؛ فكتب البيهقيّ رسالة أمر فيها ببيع جميع أملاكه وتوزيع ثمنها على الفقراء ، وعلّم الرسالة وختمها ، فأخذها الرسول ، وباع الوكيل جميع ضياعه ، وأعطى ثمنها للفقراء.
ولما جاء الجواب ، مزّق أبو الحارث ثيابه وذهب مولالا نادبا إلى يعقوب بن الليث ، وكان رجلا عبوسا ، فلما سمع الحكاية ، ضحك كثيرا ، ثم أخذ يتقلب على جنبيه من شدة الضحك ، حتى تعجب خاصته من ذلك.
ثم إن الأمير قال لأبي الحارث : سأعطيك من أملاكي ما يعوضك عن أملاكك وأعطيك نقدا من الخزانة لتستردّ به أملاكك ، وأدع يدك مبسوطة على البيهقيّ حتى تستردّ منه حقك.
[١٥٣] وتوارى البيهقيّ سنة كاملة عن الأنظار ، وفي ليلة ذهب إلى بيته ليأتي بكتاب يطالعه نهاره ، فلما وصل إلى حمام سكة حرب (١) ، خرج أبو الحارث السّجزيّ مع غلمانه من الحمام ـ وكان مع أبي الحارث كثير من الشموع والمشاعل ـ فرأى البيهقيّ الذي تملكه الخوف وارتعدت فرائصه ، فقال له أبو الحارث : يا عدوّ الله! ما ذا أنت صانع بأملاكي التي اشتريتها ثانية بأموال الأمير؟ هل ستكتب رسالة أخرى تأمر فيها ببيعها؟
فقال البيهقيّ : أيها الحاجب! أجرني وأعف عني ، فأنت لم تخسر شيئا ، لأن الله تعالى أعطاك أضعاف ذلك :
من كان يرجو عفو من هو فوقه |
|
عن ذنبه فليعف عمّن دونه |
فقال أبو الحارث : اذهب ، فلن يتعرّض لك أحد.
__________________
(١) سكة حرب إحدى سكك مدينة نيسابور (تاريخ نيسابور ، ٩٩ ، ١٤١).