الشورى البيضاء ، فنهضوا جميعا نهضة الأسود من عرينها ، فسلوا سيوفهم ، ومزقوا حجب الاستبداد التي كانت متلبدة في سماء العثمانية ، وقوضوا عروش الاستبداد ، ودكوا صروح الجور ، وزلزلوا طود الاعتساف ، فخلصوا الأمة الإسلامية والرعية العثمانية من براثن الظلم ومخالب العبودية ، وشادوا معاقل العدل وحصون السلام ، وأذاقوها لذة العدل وطعم المساواة.
إن أنور باشا هو ذلك البطل المقدام الذي كان ـ ولم يزل ـ يواصل ليله بنهاره في سبيل نصرة الدين وإحياء معالم الشريعة السمحاء وشعائر الديانة الإسلامية الغراء وحفظ بيضة الخلافة المحمدية والممالك العثمانية.
مرّ على هذا البطل العظيم ردح من الزمن ، وهو صارف قصارى جهده لإعلاء كلمة الله حتى جعلها هي العليا ، وكلمة أعدائها السفلى ، وناهيك بالحرب الطرابلسية التي فارق بسببها راحته ، والحرب البلقانية التي كابد فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، والحرب الضروس الحاضرة ، وما أظهره فيها مع إخوانه أبطال الدستور وحماة الدين والوطن من خوارق العادات ؛ حيث عادت فيها رءوس الدول المعادية ، ولا سيما إنكلترا وفرنسا بخفي حنين ، وآبت فيها تجارتهم بصفقة المغبون ، فرلزوا أقدامهم وفوضوا صاصيهم وقلاعهم ودوارعهم وطياراتهم وأفنوا رجالهم ، وأسكتوا مدافعهم ، وفلوا جموعهم ، وأعادوا بقية سيوفهم إلى حيث ... واغتنموا عددهم ، ورفعوا مجد الأمة الإسلامية في الأقطاب الأربعة بدفاعهم المجيد عن باب الخلافة المحمدية ؛ بما أظهروه من الخوارق التي سطرها لهم التاريخ ، بأحرف من نور على جبهة الدهور.