بديع الصنع وجميل الهندسة إلى أن وصلا إلى منزل هرنك ؛ حيث أعد المجلس البلدي لدولتهما مأدبة تليق بمقامهما.
وبعد الطعام ركبا إلى دار الحكومة ، فكانت ألوف الخلق تحييهما على الجانبين ، وهناك في البهو الكبير تصدرا بدرين منيرين ، وأخذ قائد الموقع يقدم لهما وجهاء البلدة وأعيانها واحدا واحدا ، فأبديا التفاتا خاصّا للخواجه فريديرك مراد الذي تبرع بأكثر أرض شارع جمال باشا وأرض جامع الجابي الجديد الذي أنشأه قائد الموقع باسمه.
ثم قدم لهما طبق من فضة عليه تمثال هرم كبير من الحلوى ، فابتسما لمغزاه ، واستل القائد خنجره ، وقدمه لهما ، فأخذ كل منهما قطعة منه ، وأدير على الحاضرين ، ثم نزلا إلى ساحة السراي ، فأخذ المصورون رسم الحفلة ، وأنشد الشيخ أحمد الطريفي بعض أبيات بصوت رخيم ، ثم ركبا السيارات محفوفين باليمن والإقبال ، ووجتهما ببيت المقدس ، فمرا أيضا تحت أقواس نصر أخرى جمعت خلاصة الفن والأبهة.
ومما يذكر أن دولة أنور باشا تبرع بمبلغ لفقراء البلدة ، وأنه أعجبه برتقال يافا الشهير ، فأوقف سيارته أمام أحد البساتين في طريقه إلى القدس ، ودخل مع دولة جمال باشا ، وقطع بيده مقطفا من البرتقال ، ونفح خادم البستان بضع ليرات عثمانية تلقاها هذا بالدعاء ، ولا عجب بهذه الأخلاق الرضية والجود والكرم ، فالعظيم عظيم في كل أمر.
وبينما كان أنور وجمال بيافا بين دقات القلوب سرورا ، وابتهاج النفوس فرحا كان أهل القدس منتشرين في جهة بزوغها إلى مكان مقرهما ، مقر الجيش