قال عبد الملك بن مروان لمؤدب ولده : علّمهم الصدق كما تعلّمهم القرآن ، وجنبهم السّفلة فإنهم أسوأ الناس رعة (١) ، وأقلهم أدبا ، وجنبهم الحشم فإنهم لهم مفسدة ، واحف شعورهم تغلظ رقابهم ، وأطعمهم اللحم يقووا ، وعلّمهم الشعر يمجدوا وينجدوا ، ومرهم أن يستاكوا عرضا ، ويمصّوا الماء مصا ، ولا يعبّوا عبا ، وإذا احتجت أن تتناولهم بأدب فليكن ذلك في سرّ لا يعلم به أحد من الغاشية فيهونوا عليهم.
أخبرنا أبوا (٢) الحسن الفقيهان ، قالا : أنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، أنا جدي أبو بكر ، أنا أبو بكر الخرائطي ، نا أبو يوسف يعقوب بن إسحاق القلوسي ، نا إبراهيم بن المنذر ، نا معن بن عيسى ، عن عمر بن سلام.
أن عبد الملك بن مروان دفع ولده إلى الشعبي يؤدبهم ، فقال : علّمهم الشعر يمجدوا وينجدوا ، وأطعمهم اللحم تشتد قلوبهم ، وجزّ شعورهم تغلظ رقابهم ، وجالس لهم الناس يناطقوهم الكلام.
أخبرنا أبو السعود أحمد بن محمّد (٣) بن علي بن المجلي ـ إذنا ومناولة ـ نا القاضي أبو الحسين محمّد بن علي بن محمّد بن عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله من لفظه ، قال : قرئ على أبي الحسن أحمد بن محمّد بن المكتفي وأنا أسمع فأقر به ، نا محمّد بن الحسن بن دريد ، أنا الحسن بن حضر ، عن أبيه ، عن الهيثم بن عدي ، قال (٤) :
أذن عبد الملك للناس إذنا خاصا ، فدخل شيخ رثّ الهيئة ، فلم يأبه له الحراس حتى مثل بين يدي عبد الملك ، وفي يده صحيفة ، فألقاها بين يديه وخرج ، فلم يوجد ، فإذا فيها : بسم الله الرّحمن الرّحيم ، يا أيها الإنسان إن الله عزوجل قد جعلك بينه وبين عباده ، (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ، وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ـ إلى قوله ـ (يَوْمَ الْحِسابِ)(٥)(أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ)(٦) إلى قوله (لِرَبِّ الْعالَمِينَ)(٧)(ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ)(٨) إلى الذي أنت فيه لو بقي لغيرك ما وصل إليك ،
__________________
(١) في البداية والنهاية : أسوأ الناس رغبة في الخير. ويقال : فلان سيّئ الرعة : إذا كان قليل الورع.
(٢) الأصل : «أبو» والتصويب عن م.
(٣) في م : بن محمد بن عبيد الله بن علي بن المجلي (في م : المحلى بالحاء المهملة).
(٤) الخبر في البداية والنهاية بتحقيقنا ٩ / ٨٠ من طريق الهيثم بن عدي.
(٥) سورة ص ، الآية : ٢٦.
(٦) سورة المطففين ، الآيات ٤ ـ ٦.
(٧) سورة المطففين ، الآيات ٤ ـ ٦.
(٨) سورة هود ، الآيتان ١٠٤ ـ ١٠٥.