يروى أن عبد الملك بن مروان لما أحس بالموت قال : ارفعوني على شرف ، ففعل ذلك فتنسم الروح (١) ، ثم قال : يا دنيا ما أطيبك ، إن طويلك لقصير ، وإن كثيرك لحقير ، وإن كنا منك لفي غرور ، وتمثل بهذين البيتين :
إن تناقش يكن نقاشك يا ربّ |
|
عذابا لا طوق لي بالعذاب |
أو تجاوز فأنت ربّ صفوح |
|
عن مسيء ذنوبه كالتراب |
وقد روي أن معاوية هو المتمثل بهذه الأبيات ، وستأتي في ترجمته.
قرأت على أبي محمّد السّلمي ، عن أبي بكر الخطيب ، أنا أبو علي بن شاذان ، قال :
قرئ على أبي الحسن أحمد بن إسحاق بن نيخاب (٢) الطيبي ، حدّثكم أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن ساكن الزّنجاني ـ بزنجان ـ نا أبو الخطاب زياد بن يحيى ، أخبرني أخي محمّد بن يحيى ، أخبرني أبو الهيثم (٣) الكوفي ، عن الشعبي ، قال :
أرسل إليّ عبد الملك بن مروان ، فدخلت عليه وهو شاك ، فقلت : كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ فقال : أصبحت كما قال أخو بني قيس بن ثعلبة ، قال : قلت : وما قال؟ قال : قال :
كأني وقد جاوزت سبعين حجة |
|
خلفت بها عني عذار لجامي |
رمتني بنات الدّهر من كلّ جانب |
|
فكيف بمن يرمي وليس برامي |
فلو أنّني أرمى بسهم رأيته |
|
ولكنني أرمى بغير سهام |
إذا ما رآني الناس قالوا : لم يكن |
|
حديثا شديد البطش غير كهام |
فافني وما أفني من الدهر ليلة |
|
ولم تفن ما أفنيت سلك نظام |
على الراحتين مرّة وعلى العصا |
|
أتوا ثلاثا بعدهن قيامي |
قال : قلت : لا ، ولكنك كما قال لبيد بن ربيعة أخو بني جعفر بن كلاب ، قال : وما قال؟ قال : قال (٤) :
نفسي تشكّي إلى الموت مجحفة (٥) |
|
وقد حملتك سبعا بعد سبعينا |
__________________
(١) كذا بالأصل وم ، وفي تهذيب الكمال : «الرياح» وفي البداية والنهاية : الهواء.
(٢) إعجامها مضطرب بالأصل ، وبدون إعجام في م ، وقد مرّ التعريف به.
(٣) في م : أبو القاسم.
(٤) ذيل ديوان لبيد ط بيروت ص ٢٢٥.
(٥) الديوان : مجهشة.