الاسلامي الزاهر ، ويذكرون به قصص ألف ليلة وليلة وقصور بغداد والقاهرة وقرطبة.
ويروى أن اللورد كرومر المعتمد البريطاني أراد أن يتعارف بشيخ الجامع الأزهر فقيل له إنه معتكف في حجرته بالجامع لا يخرج منها ولا يغادر باب الأزهر لزيارة احد مهما كان مركزه عظيما ، وذهب اللورد لزيارة الأسد في عرينه .. أو الناسك في صومعته ، وكان اللورد حينذاك في إبان بطشه وقوته يهابه الكل ويسارعون لتلبية أمره وقد ظن انه سيجد من شيخ الاسلام تابعا ونصيرا.
ودخل الأزهر وسار بين أعمدته وعلى بلاطه فامتلأ رهبة وروعة وراعه الصمت السائد ، والطلبة الذين يتحركون في صمت وخشوع كأنهم الأشباح السارية ، واستقبله وفد من المشايخ في عمائم كبيرة وأكمام واسعة طويلة بطيىء الحركة يسيرون في تؤدة ووقار ولا يحنون رءوسهم الا ساعة الركوع والسجود.
وسار بينهم يخترق الحجرات والابهاء وهو يتجرد في كل خطوة من ثياب جبروته وكبريائه ، حتى إذا وصل الى باب صغير أدى به اليه السير كان العميد البريطاني العظيم قد أصبح فردا يشعر بالضعف والخشوع.
وفتح الباب وتنحى الموجودن ودخل اللورد ومعه أحد ياوران السراي ، فرأى نفسه في حجرة مجردة من الأثاث والفراش عارية الأرض مكشوفة البلاط ، ساكنة يكتنفها شيء من الظلام إلا من شعاع ينفذ من نافذة نصف مغلقة ، وفي واجهة تلك الحجرة دكة عالية عليها قطعة من بساط وقد تربع فوقها شيخ الاسلام والمسلمين في ثياب بسيطة وفي يده سبحة يعد خرزاتها ويتمتم بالتسبيح عليها ، وهو مطرق برأسه مستغرق في نجواه.
وأدار اللورد نظره حوله فلم يجد مقعدا ، وتقدم خطوتين فلم يرفع الشيخ رأسه ولم يبادره بالتحية ولبث يتمتم نجواه وهو في سكون وجمود.