الإسلامي في العصر الحديث ، فقد قضى حياته في تنقية الدين من الشوائب التي طرأت عليه ، وتقريب المسلمين من أهل التمدن الحديث ليفيدوا من ثمار مدنيتهم ، وكذلك اشتهر بصراحته في فتاواه الدينية ، وتفسيره القرآن بما يطابق أحكام العقل ، ويحل الإسلام من قيود التقليد ، وقد طالما هاج عليه جماعة الجامدين وأنصار بقاء القديم على قدمه ، ولكنه لم يعبأ بهم ، ومضى في سبيله قدما لتحقيق برنامجه الإصلاحي العظيم.
تولى الأستاذ الإمام منصب القضاء فعين في ٧ يونية ١٨٨٨ نائب قاض بمحكمة بنها ، ثم رقي قاضيا من الدرجة الثانية بمحكمة المنصورة ، فقاضيا من الدرجة الأولى بمحكمة مصر من ٧ يناير ١٨٩٢ ، وفي ٢١ نوفمبر ١٨٩٥ رقي نائب مستشار بمحكمة الاستئناف ، ـ ولم يكن يوجد غيرها ـ وظل بها إلى أن وقع عليه الاختيار مفتيا للديار المصرية في ٥ يونية ١٨٩٩.
كان الأستاذ الامام قاضيا بمحكمة عابدين ـ وكانت أهم محاكم العاصمة في ذلك الحين ـ فاطمأن الكافة إلى قضائه ، وقال فيه ذوو الرأي من أهل عصره : «إنهم لا يذكرون إن كرسي القضاء في تلك المحكمة قد ازدان بمثله وأن الوقار والهيبة والجلال كانت تفيض في أفقها» وقال فيه أحد شيوخ المحامين رحمة الله عليه : «كان محمد عبده يصدر الحكم ويشفعه أو يسبقه بدروس ومواعظ يلقيها على المحكوم عليه أمام الجمهور إلقاء يشعر الجماهير والمحكوم على نفسه أنهم في حضرة أب ومصلح كبير.
وترجع صلة محمد عبده بجمال الدين الأفغاني (١٢٥٤ ه ـ ١٨٣٩ م ـ ١٣١٤ ه ـ ٩ مارس ١٨٩٧ م) ـ إلى شهر المحرم عام ١٢٨٨ ه ـ ٢٢ مارس ١٨٧١ م ، حين نزل جمال الدين مصر ، وكان يعرفها من قبل قليلا ، ولكنه في هذه المرة اندمج في حياتها الأدبية والاجتماعية ، وتردد على دار إبراهيم بك المويلحي ، وكانت قائمة في حارة الأمير حسين بشارع محمد علي ، وهي في ذلك الوقت ندوة المفكرين والعظماء والقادة ، فلما