أجرى عليه رياض باشا رزقا شهريا قدره عشرة جنيهات مقابل بقائه في مصر ولو لم يؤد عملا ، استأجر منزلا في حارة اليهود ، ويقول الشيخ محمد عبده : إن طلاب العلم عرفوا الأفغاني عند ذلك و «اهتدوا إليه واستوروا زنده فأوري ، واستفاضوا بحره ففاض درّا ، وحملوه على تدريس الكتب فقرأ من الكتب العالية في فنون الكلام الأعلى والحكمة النظرية طبيعة وعقلية ، وفي علم الهيئة الفلكية وعلم التصوف وعلم أصول الفقه الإسلامي ، وكانت مدرسته بيته من أول ما ابتدأ إلى آخر ما اختتم».
وفي هذه المرة بقي جمال الدين في القاهرة فترة أطول ، وهي الفترة التي كون فيها مدرسته وبث فيها رسالته ، واتصل بتلميذه وصفيه الشيخ محمد عبده.
بقي الشيخ جمال الدين يدرس ويدعو دعوته الإصلاحية ، ويشارك في كل أمر ذي خطر من حياة مصر في ذلك العهد أكثر من ثماني سنين حتى نفي الشيخ من مصر ف سنة ١٢٩٦ ه إلى الهند مرة اخرى.
ويقول الشيخ الباقوري :
إن أحدا لا يستطيع إلا أن يرى في الأستاذ الإمام قائدا زعيما يحرص أشد الحرص على إيقاظ الرأي العام وتنبيهه من غفوته بشتى الأساليب ومختلف الوسائل ، حتى يكون له أن يميز ما للحاكم من حق الطاعة على الشعب وما للشعب من حق العدل على الحاكم ، لأن الحاكم بشر يصيب ويخطىء.
ويقظة الرأي العام من طريق الصحافة النزيهة والتربية الاجتماعية السليمة وإعداد القادة المستنيرين الغيارى على صالح الأمة ، هي الوسيلة القادرة بالقدرة على تقصي الحقائق ودرس المسائل درسا وافيا وإبداء الرأي في أمانة وإخلاص.
ولئن كان الأستاذ الإمام قد سلك في بيروت عاصمة لبنان الشقيق مسلكا قرب فيه بين مختلف المذاهب والأفكار والطوائف ، فإن عمله في