على الكبير في مصر ، على حين أن الباشا قد وجد في أبناء الأزهر المادة الأساسية التي أقام بها دعائم نهضته.
ورغم اقتصار الأزهر على هذه المواد فإن الطلبة كانوا يقضون في تحصيلها مددا طويلة أقلها خمس عشرة سنة ، ولا حد لأكثرها.
ومع أنها كانت تدرس في كتب سقيمة من المختصرات التي لا تفهم إلا بشروح وحواش وتقارير ، فإن الطلبة كانوا يقدرون على الاستقلال بدراسة الكتب ويقدرون على فهمها ، وكانت تنمو فيهم ملكات البحث والجدل. ولكن إذا وازنا بين الفائدة التي يجنيها الأزهر من التعليم التحاوري اللفظي والمزايا التي يفقدها من عدم عنايته بالعلوم الكونية التي لا بد منها في تطبيق الأحكام الشرعية على وجهها الصحيح ، لو وازنا بين ذلك أدركنا عدم قيام الأزهر بالثقافات التي تتطلبها حاجات العصر.
كل هذا كان يبعث أهل الغيرة من رجال الأمة ورجال الحكومة على تلمس وجوه الاصلاح ، ولم يكن من الميسور أن يكون إصلاح الأزهر سهلا لاعتبارات تقليدية تاريخية. ولا من الجائز أن يسلك في إصلاحه ما يسلك في تنظيم المدارس المدنية. بل كان يجب أن يتناوله الاصلاح برفق ، وأن يكون بإضافة القدر الضروري من المعارف ، وإصلاح طريقة التعليم ، وباختيار الكتب ، وبتوجيه هذه القوى الجبارة إلى جوهر العلم ، وأسرار الدين ، وأسرار العربية.
وهذا الذي أشرنا إليه هو الذي لاحظه واضعو قانون سنة ١٨٩٦ فضمنوه من وجوه الإصلاح مارأوه كفيلا بإنهاض الأزهر ، وكان من حسن الحظ أن الذي قام على تنفيذ هذا القانون مجلس إدارة يضم طائفة من العلماء خلصت نيتهم وتوافرت لديهم وسائل التنفيذ ، وهم المشايخ : حسونة النواوي ، محمد عبده ، سليم البشري ، عبد الكريم سلمان ، سليمان العبد ، أسبغ الله عليهم واسع رحمته ورضوانه .. وقد أضاف هذا القانون مواد جديدة هي : الأخلاق ، مصطلح الحديث ، الحساب ، الجبر ، العروض والقافية.