وجعل التاريخ الإسلامي والإنشاء ومتن اللغة ومبادىء الهندسة وتقويم البلدان ، وغيرها من مواد يفضل محصلها على غيره ويقدم عليه ، وفك التقيد بكتب دون أخرى ، وحرم قراءة الحواشي في السنوات الأربع الأولى. وجعل من اختصاص مجلس الإدارة أن يعدل في مواد التعليم طبقا لما يراه من المصلحة.
سار الأزهر على هذا النظام عشر سنوات سيرا متئدا متزنا ، لم تطغ فيه المواد الجديدة على المواد القديمة ، لأنها أخذت بمقدار يناسب حال الأزهر ، ونشطت دراسة العلوم الدينية والعربية بما كان يعطي للطلاب من المكافآت السنوية ، وبما كان ينشر بينهم من أفكار المرحوم الشيخ محمد عبده في دروسه ومجتمعاته. وقد انفرط عقد النظام بخروج الشيخ محمد عبده من مجلس الإدارة ثم وفاته سنة ١٩٠٥ رضي الله عنه ، كما قدمنا.
جدت بعد ذلك أحداث وفتن ، وعولت الحكومة على إنشاء مدرسة للقضاء الشرعي ، فصدر بها قانون في سنة ١٩٠٧ ، وشعر الأزهريون بأن الحكومة أصبحت في غنى عنهم ، لأن لها مدرسة لتخريج معلمي العربية في مدارسها ومعاهدها ، هي دار العلوم ، ومدرسة لتخريج القضاة.
وخاف القائمون على الأزهر من تقلص ظله ، ومن عدم إقبال الناس عليه ، حيث لم يبق بعد ذلك للعلماء إلا وظائف الإمامة والخطابة في المساجد ، ففكروا وفكر الناس معهم في إعادة تنظيم الأزهر على مثال مدرسة القضاء ، ومدرسة دار العلوم ، بل على مثال يوجد للدراسة مواد أكثر ومناهج أطول. وانتهى الأمر بهم إلى وضع القانون رقم ١٠ لسنة ١٩١١ وكثر الاقبال على الأزهر ، ووجدت معاهد أخرى في عواصم المديريات ، وبعض المحافظات ، جرت على نهجه ، وسارت عليها نظمه ، حتى صار عدد الطلاب في سنة ١٩١٧ م أكثر من عشرين ألفا.
وهذا القانون لم يخل من الفائدة ، لأن تعلم التاريخ والجغرافيا والرياضة ومبادىء الطبيعة والكيمياء قرب طلبة الأزهر من تلاميذ المعاهد