الدفاعي الذي التزمه خلال تلك القرون ، فلما نشطت الحياة حواليه وزالت الأسباب التي كانت تضطره إلى المحافظة والتزمت لم يجد الوسيلة الملائمة التي تعينه على الحركة المتجددة التي تلائم بينه وبين عصره مع احتفاظه بخصائصه وقيامه بواجبه لحياطة الدين والمحافظة على تراث الإسلام ، من ذلك أن خريجيه لم يزالوا حتى اليوم ـ فيما يريدون لأنفسهم أو فيما يصفهم غيرهم ـ رجال دين ، لا يكادون يتصلون بعلوم الدنيا اتصال النفع والانتفاع ، والإسلام في حقيقته الأصيلة لا يفرق بين علم الدين وعلم الدنيا ، لأنه دين اجتماعي ينظم سلوك الناس في الحياة ليحيوا حياتهم في حب الله عاملين مؤثرين في المجتمع في ظل طاعة الله ، ولأن الإسلام يفرض على كل مسلم أن يأخذ بنصيبه من الدين والدنيا ، فكل مسلم يجب أن يكون رجل دين ورجل دنيا في وقت معا ، والله في يقين المسلم أقرب إليه من حبل الوريد ، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ، فليس في حاجة إلى شفيع أو وسيط يقربه إليه.
على أن العالم الإسلامي اليوم قد انفسح مداه واتسع نطاقه وأطل على آفاق فكر جديدة ووضعته الظروف السياسية التي تمر به وضع الاختبار في مجالات شتى. وأكثره قد خرج منذ قريب من تحت النير الاستعماري وفي نفوس أهله آمال ضخمة لاستكمال أسباب تحرره ونهضته والارتفاع بمستوى معيشته.
وكانت الثقافات الاستعمارية تحاول طوال السنين التي يسيطر فيها الاستعمار على العالم الإسلامي أن تلون أفكار أهله وعقائدهم وأن تضع في نفوسهم موازين جديدة وقيما جديدة يمكن أن تباعد بينهم وبين الإسلام. فلو لا طبيعة المقاومة في نفوس المسلمين لسحقتهم المحاولات المتوالية خلال تلك السنين وأخرجتهم عن دينهم ، ولعلها قد بلغت من ذلك مبلغا ما حين أوقعت في أذهان كثير منهم أن الإسلام عبادة وقربى إلى الله وفناء في الله ، وأن العمل للحياة شيء آخر يختلف عن الدين أو يتعارض مع الدين. وربما أوقعت في أذهان بعضهم كذلك أن المذاهب الاجتماعية المستحدثة