ولقد عرفتها الجامعات العلمية الأولى في الشرق في أحقاب التاريخ القديم ، وفي شتى أطوار الحياة الإسلامية العظيمة ، ففي البصرة والكوفة ، وفي دمشق وبغداد وفي قرطبة والقاهرة وسواها من العواصم الإسلامية ازدهرت الدراسات العليا التي كان يقوم بها قادة الفكر الإسلامي ، ثم شاء الله أن تذوي هذه الحضارة الزاهرة ، وتطفأ مصابيح ذلك النور المشرق ، وأن يستكين المسلمون لأحداث الزمن ونكبات التاريخ ، فحمل العلماء في هذا الاضطراب العاصف مشعل الثقافة الإسلامية ، ولكن الأحداث كانت أقوى من جهودهم ، فتلاشى كثير من تلك الدراسات في شتى الجامعات ، ولم يبق منها إلا شعاع خافت ضئيل.
وخضع الأزهر في حياته العلمية الطويلة لهذه التطورات حتى كان العصر الحديث ، وقيض الله لمصر والشرق رجلا من أنبه رجال الفكر فيه هو السيد جمال الدين الأفغاني ، فنفخ في حياته روح الشباب والقوة والتفكير ، وكان من أبر أبنائه الإمام محمد عبده الذي جاهد في سبيل الأزهر والعلم والدين جهاد الأبطال ، وكانت أول دعوة للأستاذ الإمام رفع مستوى الدراسة في الأزهر ، حتى يستطيع أن يساير النهضة الفكرية في الشرق والغرب أولا ، وأن تؤدي رسالته العظيمة ثانيا ، وأنشئت على أساس أفكاره أقسام الدراسات العليا في الأزهر ـ التخصصات ـ بعد وفاته بكثير ، وكان من أهم هذه الأقسام تخصصات العالمية من درجة أستاذ التي أنشئت عام ١٩٣٠ والتي حملت عبء الثقافة الدينية والعربية والعقلية في الأزهر وكلياته من ذلك العهد إلى الآن ، وقام خريجوها ببحوث جديدة في شتى فروع الثقافة تجلت في رسائلهم المختلفة التي تقدموا بها لنيل العالمية من درجة أستاذ ، وكانت الغاية من إنشاء هذه الأقسام هي : ـ
أولا ـ افساح مجال البحث الحر أمام الأساتذة والكفايات الممتازة من طلبة الأزهر.
ثانيا ـ خلق جيل جديد من الخريجين يحملون في مستقبل حياتهم مشعل الثقافة في مصر والعالم الإسلامي.