وعاد أعضاء هذه البعثات من أوروبا فكانوا في مصر جيلا جديدا له ميزته الخاصة في الثقافة والتفكير والترجمة والإنتاج.
وسار الأزهر على منهجه العلمي القويم بعيدا عن الدراسات العقلية والأدبية وعن العلوم الحديثة ، اللهم إلا دراسة الكتب الأولية في المنطق ودراسة بعض كتب الأدب وآثاره كالمقامات والمعلقات التي ابتدئت قراءتها فيه نحو عام ١٨٢٨.
ـ ٢ ـ
وفي الحديث انتشر النفوذ الأجنبي ، والثقافة الغربية في مصر ، ووفدت على ربوعها رسل الثقافة الأوروبية ورجال البعثات العلمية الذين أوفدهم إسماعيل إلى باريس وروما وجامعات انجلترا ، وأخذت هذه العوامل الجديدة تعمل عملها في تكوين العقلية المصرية تكوينا يتلاءم مع النهضة الفكرية والاجتماعية التي كانت تسود أوروبا ، وأبعد رجال الأزهر عن كثير من ميادين النشاط الاجتماعي في الدولة ، ومع هذه العوامل الهدامة في صرح الأزهر فقد كان إسماعيل يحلم بتكوين دولة عربية خاضعة لنفوذه ، مؤتمرة بأمره ، فدفعته آماله السياسية إلى العناية بأمر الأزهر وإصلاحه حتى يساير روح النهضة الحديثة في مصر ، وفي عام سنة ١٨٧١ صدر قانون بإصلاح الأزهر لرفع مستوى أساتذته وطلابه والثقافة فيه ، وذلك في عهد شيخه الشيخ محمد العباسي المهدي الحنفي الذي كان يتبرك به الخديوي ويصطفيه. ونص هذا القانون على إجراء امتحان نهائي للمتخرجين في الأزهر ، وعين المواد التي يجب أداء الامتحان فيها (وهي إحدى عشرة مادة) .. وقدرت مرتبات عالية للأساتذة ومكافآت مالية للطلاب. ولكن الأزهر عادى الإصلاح ، وحمل الشيخ عليش لواء المعارضة ، فوقفت روح الإصلاح فيه.
واضطرب جو مصر السياسي بالثورة العربية وأحداثها ، كما زلزل كيانها المالي في تصفية ديونها العامة ، وكان الاحتلال الأجنبي عام ١٨٨٢ ، فوقفت حركات التجديد في سائر مرافق البلاد ، وأخذ دنلوب وأعوانه يغيرون اتجاه