أما الثورة الاولى فكانت في ربيع الأول من عام ١٢٠٠ هجرية ـ يناير عام ١٧٨٦. كان سببها ان محافظ القاهرة آنذاك وهو احد المماليك واسمه حسين بك بشفت كان بعث بجنوده فنهبوا دار رجل من الشعب اسمه أحمد سالم الجزار نائب طريقة الشيخ البيومي الصوفي بالحسينية. فثارت ثائرة أهالي الحي وتوجهوا إلى الشيخ الدردير الذي أعلن أنه سيخرج مع الجماهير من كل أنحاء القاهرة لينهب بيوت المماليك كما نهبوا بيوت الشعب .. وأمر الشيخ بدق الطبول على المنارات إيذانا بالاستعداد.
وأصبحت القاهرة على أبواب ثورة شعبية .. وأصبح المماليك يحيط بهم الرعب. وبلغ ذلك إبراهيم بك والي مصر. فأرسل نائبه في الحكم. ومعه أحد الأمراء من المماليك إلى الإمام الدردير يعتذر له عما حدث ويعده بأن أبدى الامراء عن الناس وبرد كل ما نهب إلى صاحبه وقبل الشيخ الدردير ذلك وتم كل ما أراده .. وهكذا وضع هذا الإمام الجليل قاعدة دستورية فحواها «وجوب احترام الحاكم لادارة المحكومين».
وأما الثورة الثانية فقد حدثت بعد ذلك بتسع سنوات. في شهر ذي الحجة عام ١٢٠٩ هجرية ١٧٩٥ ميلادية. وكان بطلها هو الإمام الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الأزهر الشريف .. وسببها أن الفلاحين في قرية من قرى بلبيس ذهبوا إلى الشيخ الشرقاوي في الجامع الازهر وشكوا له من ظلم محمد بك الألفي ورجاله لهم ، ومن فرضهم على القرية اموالا لا طاقة لها بها.
وتأثر الشيخ الشرقاوي بما بلغه. وبلغ الشكوى الى كل من مراد بك وإبراهيم بك. ولكنهما لم يفعلا شيئا. فعقد مؤتمرا وطنيا في الأزهر حضره العلماء والطلاب والشعب. حيث استقر الرأي على مقاومة الأمراء بالقوة حتى يخضعوا لمطالب الشعب. وعندئذ أمر الامام الشرقاوي باغلاق أبواب الجامع الأزهر. كما أعلن الشعب بإعلان الإضراب العام وإغلاق الأسواق والمحلات.