ليلة .. ولعلها كانت المرافعة الأولى في حياته ، ومن أجل غرامة قدرها مليمان! وقد تحمس في دفاعه ؛ وحمى وطيس المناقشة بينه وبين ممثل الاتهام إبراهيم الهلباوي ، فلم تنته الجلسة إلا في الخامسة صباحا! أما المرافعة فهي أن سعد زغلول كان خامس خمسة يسكنون غرفة واحدة ، ويطلبون العلم في الأزهر ، وكانوا يضيئون غرفتهم بقنديل يشعل بالزيت ويكلفهم طول الشهر عشرة مليمات ، يدفع كل منهم نصيبه فيها. ولكن إبراهيم الهلباوي رأى أن يضايق (سعدا) من باب المداعبة فحرض بقية المشايخ ضده متهما إياه بأنه أكثرهم انتفاعا بالقنديل ، لأنه أكثرهم قراءة بالليل ولذا حق عليه أن يدفع أربعة مليمات!
وفي آخر الشهر فوجىء سعد بالثورة ضده ومطالبته بالغرامة ، وظن الهلباوي أنه ربح المداعبة ، ولكن سعد المحاور المداور ، شرع يدافع عن نفسه ، وضرب لهم مثلا غاية في الطرافة إذ قال : لو أن رجلا علق على باب بيته فانوسا ليضيء له ، فانتفعت بهذا الضوء غازلة أو ناسجة وهي في منزلها ، وزاد انتاجها ، فهل يعني هذا أن للرجل الحق في مقاسمتها انتاجها الذي زاد؟ كلا بالطبع! وهكذا حالكم معي فقنديلكم مشعل طول الليل ، قرأت عليه أم لم أقرأ ... وليس لكم أن تطالبوني بأكثر مما يدفعه أي واحد منكم!.
وأفحم الجميع. ثم جاءت القوانين الحديثة فأيدت مبدأه بحق الارتفاق وهو حق قانوني معروف!.
وفي حارة (القرد) المتفرعة من شارع (المقريزي) خلف الأزهر منزل متهدم تنام تحت أنقاضه قصة طريفة من قصص سعد زغلول والهلباوي وثالث (من بلدياتهم) كان اسمه الشيخ (بسطاويسي) لم يقدر له من الشهرة والمجد ما قدر لزميله ، فقد كان الفرسان الثلاثة ، يسكنون غرفة أجرتها ستة قروش ولكنهم عجزوا في شهر ما لأزمة طارئة عن سدادها ... وفشلت كل المفاوضات التي حالوا أن يقنعوا بها صاحبة المنزل لتأخير الدفع ، فأنذرتهم