الخلافة عظم أمرها وصارت محل سكني العلماء ومحط رحال الفضلاء» (٢ / ٦٥ حسن المحاضرة).
وكانت دولة آل عثمان بعد فتح القسطنطينية عام ٨٥٧ ه / ١٤٥٣ م تتطلع وهي في آسيا الصغرى إلى هذا المجد الكبير وإلى مكانة مصر العالمية الكبرى بعين الحدث وتتربص بامبراطوريتها ريب الأحداث.
وصارت حضارة مصر آنذاك مضرب الأمثال ، فمفاتيح التجارة العالمية بين الشرق والغرب في يدي الشعب المصري والأموال تتدفق عليه بلا حساب والرخاء والازدهار تبلغ القاهرة كل أحلامها منهما .. وكان سلطان المماليك يلقب بسلطان البرين والبحرين أي البر المصري والبر الشامي ، والبحر الأبيض والبحر الأحمر .. وكان لقب قلاوون «ملك البرين والبحرين وصاحب القبلتين وخادم الحرمين الشريفين». وأحيانا كان يلقب بسلطان الشام واليمن ملك البحرين خادم الحرمين الشريفين صاحب القبلتين ملك الديار المصرية والجهات الحجازية والبلاد الشامية والأعمال الفراتية والديار البكرية .. بل لقد خطب للسلطان برقوق باسمه في توريز من بلاد العجم وفي الموصل وماردين وسنجار وضربت النقود باسمه في جميع هذه البقاع.
وكان عصر السيوطي عصر ازدهار الثقافة الإسلامية والعربية ، وحدث عن جامعة مصر الكبرى الأزهر. ويقول المقريزي فيه الزائر له يجد من الأنس بالله والارتياح ونزوع النفس ما لا يجد في غيره .. ومع أن المماليك كانوا ينتمون إلى أصول غير عربية إلا أنهم بإقامتهم في أرض العروبة اعتبروا أنفسهم عربا ، بل حماة للعرب حتى كان من ألقاب سلاطينهم «سيد ملوك العرب» (١) وعدوا أنفسهم مصريين بما اكتسبوا من الروح المصرية لحياتهم الطويلة على ضفاف النيل قبل وبعد قيام دولتهم ، ومع أن لغتهم الأولى كانت هي التركية المملوءة بألفاظ فارسية وعربية فإنهم كانوا يتعلمون
__________________
(١) ابن اياس : بدائع الزهور ٣ / ١٢٩.