فكان السيد رشيد البطل المعلم في هذا الموطن الشريف ، تلقي فيه بصدره كل ما يتلقاه المصلحون من الجامدين ، وكان لجهاده أثر بعيد في تبصير المسلمين بسماحة دينهم ، وببقاء باب الاجتهاد فيه مفتوحا إلى يوم يبعثون.
وكان تلميذ الأستاذ محمد عبده ، وحامل لواء الإصلاح الديني من بعده ، ولا بدع فإن أربعين سنة قضاها الفقيد الكريم في تحرير المنار يفسر كتاب الله على طريقة الإمام ويبسط أحاديث الرسول على نهج السلف ، ويحرر الفتاوى في المسائل الدينية المختلفة ، ويقطع ألسنة المبشرين والملحدين بالأدلة النواهض ، ويجلو عن الشريعة ظلام الشبه بالعقل المنير ، ويزيد في ثروة الأدب الإسلامي بالمصنفات القيمة ، حرية أن تحله من قلوب المؤمنين موضع التجلة ، وتبوئه من صفحات التاريخ مكان الأئمة.
ولد الفقيد في قرية (القلمون) إحدى قرى لبنان القريبة من طرابلس ، فتلقى العلم طفلا ويافعا في هذه المدينة ، ثم هاجر إلى مصر ، فدخل الأزهر واتصل بالإمام محمد عبده اتصالا وثيقا ، فأشار عليه أن يصدر (المنار) فكانت سجلا لآراء الأستاذ الاجتهادية في حياته ، واستمرارا لدعوته الإصلاحية بعد مماته. ثم أسهم في النهضة العربية واتصل بجمعياتها السرية في أطوارها المختلفة من سنة ١٩٠٨ إلى قيام الحرب الكبرى. فلما أعلنت الهدنة عاد إلى سورية فانتخب رئيسا للمؤتمر السوري الذي نادى بالأمير فيصل ملكا ، ثم ظل في خدمة هذه الدولة العربية الجديدة حتى ثل عرشها الفرنسيون سنة ١٩٢٠ ، فارتد إلى القاهرة يحرر المنار ويعالج التأليف ، فأصدر طائفة من الكتب القيمة أشهرها تكملة تفسير الإمام على هديه ووحيه ، ثم الجزء الأول من تاريخ الإمام وكان قد أصدر منه جزءه الثاني فيما قاله ، والثالث فيما قيل فيه ، ثم كتابه «الوحي المحمدي».
وكان علما من أعلام الدين والعلم ، وتلميذ محمد عبده الوفي ،