لم تتأكد إلا من درس التفسير على الأستاذ الإمام ، ولأن آثاره في تفسير القرآن هي أقوى الآثار وأظهرها في الإقناع والإلزام ، ولأن مفسر القرآن إذا أخلص وصدق! استحق الثناء الخالد ، لأنه بصدقه وإخلاصه يشرف عقله على الوجود ، وعلى ما وراء الوجود ، وقد تحقق ذلك للسيد رشيد رحمة الله عليه ، فالقرآن كتاب الوجود ، وكتاب ما وراء الوجود ، وكل من جهله ، واتجه إلى غيره مهما كان قويا في نظر نفسه ، وفي نظر أمثاله ، فحياته غير صادقة ، وسعادته لا ضمان لها ، ولا استقرار ، بل المسلمون إذا أخلصوا للقرآن فهما وعملا ، وعرضوا جواهره السماوية على عقول البشر ، فقد ملكوا كل شيء ، لأن العقول من مادة السماء ، ومادة السماء إذا تركزت في الأرض محال أن يطغى عليها شهوات النفس الترابية ، والانسان إذا أهمل فهم القرآن والتبصر فيه ، وقد أحاط بما في الأرض علما ، فليس من الله ولا من الوجود الحق في شيء ، فحصر العقل في جزء صغير من الوجود يستخدمه في حياته المادية لا يصور الحقيقة ، ولا يحقق معنى الحياة والسعادة إذ الحياة الانسانية مسبوقة بوجود لانهائي وبعدها وجود لانهائي ، ومن حق العقل ان يفكر طويلا في ذلك لوجود اللانهائي ، وهذا لا يتم إلا بفهم القرآن. ومن أجل ذلك يقول الله تعالى : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) ويقول : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.) إن لأهل القرآن وأنصاره مرتبتين. المرتبة الأولى ـ هي فهم معانيه الصحيحة وامتزاجها بالعقل والروح والنفس ، فيشع منها النور والقوة بحيث يعملان عملهما في الوجود بقدر الطاقة البشرية ، وهذه هي مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومرتبة الصديقين من أصحابه وأمته إلى يوم الدين.
والمرتبة الثانية هي فهم معانيه فهما صحيحا ، وامتزاجها بالعقل ، وبالنفس في أغلب أحوالها ، وهذه هي مرتبة كبار العلماء والصالحين مع ما في كل من المرتبتين من المنازل المتفاوتة بتفاوت الاستعداد ، وصفاء الجوهر. واني أو من إيمانا قويا بأن السيد رشيد قد تمت له المرتبة الثانية في أرقى منازلها ، وأرجو أن يكون له نصيب من المرتبة الأولى. وإذا علمتم