وقبل انشاء الأزهر كان جامع عمرو هو المكان المختار لالقاء الدروس العلمية ، فقد كان مركزا اتخذه الصحابة والتابعون لنشر الدين والعلم ولاقامة الحلقات العلمية فيه ، وأخذت الحركة العلمية في هذا المسجد تنمو وتتسع حتى أمه الكثير من العلماء والاعلام الذين تركوا ثروة جليلة من الكتب والتأليف ، كما كان لتلك الحلقات فضل اخراج عدد كبير من الفقهاء والمحدثين حتى أوائل القرن الرابع الهجري ، وأشهر هؤلاء عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن وهب وسعيد بن الصلت ويحيى بن أزهر سعيد بن عبد الرحمن.
وكانت الدراسة في أول أمرها دراسة دينية فقهية قامت في الزوايا التي أنشئت على مر السنين بالجامع العتيق. وأشهر تلك الزوايا ، زاوية الامام الشافعي التي كان الناس يهرعون إليها لسماع شروح الامام ومحاضراته والتي تخرج فيها عدد من أعظم الفقهاء والعلماء في ذلك العهد. ثم بنى محمد الدين أبو المحاسن الأزدي البهنسي الشافعي وزير الملك الأشرف موسى بن العادل أيوب ، زاوية سميت الزاوية المحمدية ، ورتب في تدريسها قاضي القضاة وجيه الدين عبد الوهاب البهنسي وأوقف عليها عدة أوقاف بمصر والقاهرة ، ثم الزاوية الصاحبية التي أنشأها صاحب التاج محمد بن فخر الدين ، وجعل لها مدرسين احدهما مالكي والآخر شافعي وجعل عليها وقفا بظاهر ، ثم حذا حذوه كثير من الأمراء وذوي اليسار المهتمين بالعلم ، فما وافى عام ٧٤٩ ه حتى زادت حلقات جامع عمرو على الأربعين حلقة.
وكانت هذه الحلقات العامة والخاصة منها تؤدي رسالتها ، فالعامة منها ما كان يقام يوميا بجامع عمرو ، والخاصة في يوم الجمعة الذي كانت حلقته تفوق حلقات بقية الأيام أهمية ، اذ كان يوم الجمعة هذا يعد موسما علميا هاما ، يهرع الناس فيه لسماع أكبر عدد من الفقهاء والشعراء والأدباء وهم يتناقشون ويتباحثون في الفقه واللغة ويتطارحون الشعر ويروون الأخبار.