نفسه بعد الآية ، ثم قومه بعبارة موجزة فيقول : (رب اوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه ، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) ويدعو بعد ذلك لوالده وجده ولمحمد صلى الله عليه وسلم ، ولعلي رضي الله عنه. ثم يختم الخليفة الخطبة بالدعاء للوزير وبنصر الجيش وخذلان الكفار والمشركين فاذا فرغ من خطبته قال) «اذكروا الله يذكركم» ثم يصعد الوزير فيحل السترين ، ثم يأخذ الخليفة في الصلاة ، فيبلغ الوزير عنه ، ثم قاضي القضاة ، ثم المؤذنون ، فاذا ما انتهت الصلاة ، يخلو الجامع من الناس ، ويخرج الخليفة يحيط به الوزير عن يمينه وقاضي القضاة عن يساره ويعود بموكبه الى قصره.
وقد كانت الخطابة في عصور الأزهر الأولى من مهام الخليفة فنجد المعز لدين الله يلقي الخطبة بنفسه مكتسبا صفة الامامة ، متخليا بعض الشيء عن صفة الخلافة ، بل نجده في كثير من الأحيان وأثناء قيامه بواجباته الدينية حريصا على امامته ، ضنينا من أن يؤديها غيره ، بل نراه يحاول ان يتشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين الذين كانوا يقومون بأنفسهم بالقاء خطبة الجمعة في الجامع. ومما ساعده على ذلك ما كان عليه المعز من صفات الخطباء ، فقد كان مفوها فصيحا ذا تأثير سريع قوي في سامعيه ، وكثيرا ما ذهب بالناس الى حد البكاء بقوة وعظة وعظم بلاغته.
وحذا حذو المعز كثير من الخلفاء الفاطميين ، فكانوا يلقون الخطبة بأنفسهم ، وعلى الرغم من حب الحاكم بأمر الله للمواكب العظيمة ، كان ينيب عنه وزيره في صلاة الجمعة ، لأنه كان يرتج عليه في الخطبة ، وكذلك كان في العصور المتأخرة ، ايام الخلفاء الضعاف ، فأصبح للجامع الأزهر خطيب خاص به يلقي الخطبة بين يدي الخليفة في أيام الجمع والموالد التي كانت تحتفل بها مصر في كل عام ، وهي المولد النبوي ومولد علي بن أبي طالب ومولد زوجه فاطمة الزهراء ومولد ولديها الحسن والحسين ، ثم مولد الخليفة القائم. ولم يقتصر خطيب الأزهر على ذلك ، بل كان يخطب في ليالي الوفود الأربعة متقدما على خطباء المساجد الأخرى.