فلو رأيت الأصغر من أولاده ، وقد غلب الحزن على فؤاده ، وغشي من الجزع عليه ، وخضبت الدموع خديه ، وهو يندب أباه ويقول : يا ويلاه.
لعاينت من قبح المنية منظرا |
|
يهال لمرآه ويرتاع ناظر |
أكابر أولاد يهيج اكتئابهم |
|
إذا ما تناساه البنون الأصاغر |
ورنة نسوان عليه جوازع |
|
مدامعهم فوق الخدود غوازر |
ثم أخرج من سعة قصره إلى ضيق قبره ، فلما استقر في اللحد وهى (١) عليه اللبن ، وقد حثوا بأيديهم التراب ، وأكثروا التلدد (٢) عليه والانتحاب ، ووقفوا ساعة عليه ، وآيسوا من النظر إليه.
فولوا عليه معولين وكلهم |
|
لمثل الذي لاقى أخوه محاذر |
كشاء رتاع آمنات بدا لها |
|
بمذننة (٣) بادي الذراعين حاسر |
فربعت ولم ترتع قليلا وأجفلت |
|
فلما نأى عنها الذي هو جازر |
عادت إلى مرعاها ، ونسيت ما في أختها [دهاها ، أفبأ](٤) فعال البهائم [اقتدينا؟](٥) أم على عادتها جرينا؟ عد إلى ذكر المنقول إلى دار البلى والثرى ، المدفوع إلى هول ما ترى.
ثوى مفردا في لحده وتوزعت |
|
مواريثه أرحامه والأواصر |
وأخنوا على أمواله يقسمونها |
|
بلا حامد منهم عليها وشاكر (٦) |
فيا عامر الدنيا ويا ساعيا لها |
|
ويا آمنا من أن تدور الدوائر |
كيف أمنت هذه الحالة ، وأنت صائر إليها لا محالة؟ أم كيف تهنأ بحياتك ، وهي مطيتك إلى مماتك؟ أم كيف تسيغ طعامك ، وأنت منتظر حمامك؟
ولم تتزود للرحيل وقد دنا |
|
وأنت على حال وشيكا مسافر |
فيا لهف نفسي كم أسوف توبتي |
|
وعمري فان والردى لي ناظر |
وكل الذي أسلفت في الصحف مثبت |
|
يجازي عليه عادل الحكم قادر |
__________________
(١) الوهي : الشق في الشيء ، وهى : تخرق وانشقّ واسترخى رباطه (القاموس).
(٢) التلدد : تلدد تلفت يمينا وشمالا ، وتحيّر متبلدا ، وتلبث (القاموس).
(٣) رسمها بالأصل : بمدينة وفي «ز» : بمديته والمثبت عن المختصر.
(٤) بياض بالأصل والمثبت عن المختصر ، وفي م : دهاما أفعال وفي «ز» : «دها أساء فقال».
(٥) بياض بالأصل وم ، وفي «ز» : «افتدينا» والمثبت عن المختصر.
(٦) في البيت إقواء.